أفضل عيش تصبح في بيت زوجها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم تلك الزوجة المطيعة الخاضعة ، الوفية المخلصة ، وتسارع إلى قبول دعوته ، واعتناق دينه بوعي وبصيرة وارادة منها واختيار ، وهي تعلم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر ومتاعب ، وتجعل كل ثروتها في خدمة العقيدة والمبدأ ، وتشاطر زوجها آلامه ، ومتاعبه ، وترضى بأن تذوق مرارة الحصار في شعب أبي طالب ثلاث سنوات وفي سنّ الرابعة أو الخامسة والستين. وهي مع ذلك تواجه كل ذلك بصبر وثبات (١) ، ودون أن يذكر عنها تبرُّم أو توجع.
هذا مضافاً إلى أنها كانت تعامل رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بأدب تامّ يليق بمقام الرسالة والنبوة ، على العكس من غيرها من بعض نساء النبيّ اللائي كنّ ربما يثرن سخطه وغضبه ، ويؤذينه في نفسه وأهله.
واليك فيما يأتي بعض ما قاله عنها كبار الشخصيات ، والمؤرخين ممّا يكشف عن عظيم مكانتها عند المسلمين أيضاً ، قال اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب عليهالسلام :
« كنتُ أولَ من أسلَم ، فمكَثْنا بِذلِكَ ثلاث حجَج وما عَلى الأَرض خَلْقٌ يُصلّي ويشهَد لرسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بما أتاهُ غيْري ، وغير ابنة خويلد رحمها اللّه وقد فعل » (٢).
وقال محمَّد بن اسحاق : كانت خديجة أولَ من آمن باللّه ورسوله وصدّقت بما جاء من اللّه ، ووازرته على أمره فخفف اللّه بذلك عن رسول اللّه ، وكان لا يسمع شيئاً يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج اللّه ذلك عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بها إذا رجع إليها تثبِّتُه ، وتخفّف عنه ، وتهوّن
__________________
١ ـ شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد : ج ١٤ ، ص ٥٩ قال : خديجة بنت خويلد وهي عند رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم محاصَرة في الشِعب.
٢ ـ بحار الأنوار : ج ١٦ ، ص ٢ ومثله في روايات متعددة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٤ ، ص ١١٩ و ١٢٠.