الكعبة في جيش الفيل ، نزل في جوف الليل إلى الكعبة وأخذ بحلقة بابها يَدْعوا اللّه ويقول مناجياً اللّه سبحانه.
« اللّهم أنيسَ المُسْتَوحشِين ، ولا وحشة مَعكَ فالبيتُ بَيْتُكَ ، والحرم حرمك والدارُ دارُك ، ونحنُ جيرانُكَ ، انَك تمْنَعُ عَنْه ما تشاء ، وربّ الدّار اُولى بالدّار ».
ثم أنشأَ يقول :
يا ربّ لا أرجُو لَهُمْ سِواكا |
|
ياربِّ فاْمنَعْ مِنْهُمُو حِماكا |
إنَ عَدُوَّ الْبيْت مَنْ عاداكا |
|
إمنَعْهُمُو إن يُخربوا فناكا (١) |
وهذا يكشف بوضوح عن ايمان عبد المطلب بالله تعالى ، وتوكله عليه سبحانه ، وانه كان الرجل الموحد الّذي لا يلتجئ في المصائب والمكاره إلى غير كهف اللّه ، ولا يعرف الاّ باب اللّه على عكس ما كانت الوثنية عليه فان قومه كانوا يستغيثون بالاصنام المنصوبة حول الكعبة.
وممّا يدل على ايمانه ايضاً توسله لكشف غمته باللّه سبحانه فقد تتابعت على قريش سنون جدب ذهبت بالأموال ، واشرفت الانفس واجتمعت قريش لعبد المطلب ، وعَلَوا جبل ابي قبيس ومعهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم محمَّد وهو غلام فتقدم عبد المطلب وقال : لاهم ( اي اللّهم ) هؤلاء عبيدك واماؤك وبنو امائك ، وقد نزل بنا ما ترى ، وتتابعت علينا هذه السنون فذهبت بالظلف والخف والحافر ، فاشرفت على الانفس فأذهِب عنا الجدب ، وائتنا بالحياء والخصب ، فما برحوا حتّى سالت الأودية ، وفي هذه الحالة تقول رقيقة :
بشيبة الحمد اسقى اللّه بلدتنا |
|
وقد عدمنا الحيا وا جلوّذ المطر |
إلى أن تقول :
مبارك الاُم يستسقى الغمام به |
|
ما في الانام له عدل ولا خطر |
__________________
١ ـ راجع القصة ومصادرها في ص ١٦١ من هذا الكتاب ، ولعبدالمطلب مواقف اُخرى مشابهة ، وعديدة ، راجع بصددها مفاهيم القرآن : ج ٥ ، ص ١٣٦ ـ ١٤٠.