والسبب في هذا الاستتار هو أن قريش كانت قد اسقطت بعض مناسك الحج ، والعمرة ، فكانت تؤدّي الحج بصورة غير صحيحة وربما غيرت أشهر الحج احياناً لبعض الاعتبارات السياسية والمادية ، وهو ما سمي بالنسيء وقد مرّ بيانه (١).
ان هذه الوقائع وغيرها ـ وهي ليست بقليلة اصدق دليل على إيمانه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتوحيده ، إذ كيف يمكن أن يتنكَّب مثل هذه الشخصية الّتي نشأت وترعرعت في ذلك البيت الطاهر ، وقرن اللّه به ملكاً يتولاه بالتربية والهداية عن جادة التوحيد.
ثم أن ممّا لا ريب فيه أن الرسول الخاتم صلىاللهعليهوآلهوسلم هو افضل من جميع الأنبياء والمرسلين بنص القرآن الكريم.
وقد صرح القرآن بان بعض الانبياء بلغوا درجة النبوة في الصغر ، أو الصبا ، ونزلت عليهم الكتب في تلك الفترات.
فَمثلا يقول القرآن الكريم عن يحيى بن زكريا : « يا يَحيى خُذ الكِتابَ بقوَّة وآتيْناهُ الحُكمَ صَبِي » (٢).
ثم يقول عن « عيسى بن مريم » عندما كان في المهد وكان وجوه القوم من بني اسرائيل قد استنكروا ولادته من غير اب ، وطلبوا من « مريم البتول » ان توضح لهم الامر ، وتبين لهم كيف حملت بعيسى؟!! فاشارت إلى المسيح عليهالسلام أن كلِّموه وهو آنذاك في المهد لم يمض على ولادته سوى ايام معدودات ؛ فنطق المسيح بفصاحة كبيرة وقال : « إنّي عَبْدُ اللّه آتانيَ الكِتابَ وَجَعَلنِي نَبيّاً. وَجَعلنِي مُباركاً أين ما كُنْتُ وَأوصَاني بالصَلاة والزَّكاةِ ما دُمْتُ حَي » (٣).
لقد بيَّن وليد « مريم » للناس اُصول دينه وفُروعه في فترة الطفولة والرضاعة ، وأعلن لهم عن توحيده وايمانه باللّه سبحانه.
__________________
١ ـ راجع الصفحة ٨٣ و ٨٤ من هذا الكتاب.
٢ ـ مريم : ١٢.
٣ ـ مريم : ٣٠ و ٣١.