فاقداً لها بحسب ذاته ، وبحكم طبيعته ، ويعود زمن هذه العناية الربانية بنبيه إلى مطلع حياته ، واوليات عمره وايام صباه بقرينة ذكر ذلك بعد الايواء الّذي تحقق باليتم ، وتمّ بجده عبد المطلب فوقع في كفالته إلى ثمانية سنين ، ويؤيد ذلك قولُ امام المتقين علي بن ابي طالب عليهالسلام : « ولقد قَرنَ اللّه به صلىاللهعليهوآلهوسلم من لَدنْ أن كانَ فطيماً أعظمَ مَلك من ملائكته يسلكُ به طريقَ المكارم ، ومحاسنَ أخلاق العالم ليله ونهاره » (١).
وصفوة القول أن المراد بكونه ضالا هو أن لازم كون النبي ممكناً بالذات هو كونه فاقداً في ذاته لكل كمال وجمال ، مفاضاً عليه كل جميل من جانب اللّه تعالى وهذا هو اشارة إلى مقتضى التوحيد الافعالي واين هذا من الضلالة المساوقة للكفر أو الشرك أو الفسق والعصيان؟!
ثم ان من المحتمل ان تكون الضلالة في الآية مأخوذة من « ضلّ الشيء إذا لم يُعرف مكانه » وفي الحديث « الحكمة ضالّة المؤمن » اي مفقودته ، لا ضدّ الهداية والرشاد ، فيكون الضالّ بهذا المعنى منطبقاً على ما نقله أهلُ السير والتواريخ عن ما جرى للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في ايام صباه يوم ضلّ في شعاب مكة ، وهو صغير فمنّ اللّه عليه إذ ردّه إلى جدّه ، وقصته معروفة في كتب السير والتاريخ (٢) ولو لا رحمة اللّه سبحانه لادركه الهلاك ومات عطشاً أو جوعاً فشملتهُ العناية الالهية.
أو أن تكون الضلالة في الآية مأخوذة من « ضلّ الشيء إذا خفي وغاب عن الأعين » فالانسان الضال هو الإنسان المخفي ذكره ، المسنيّ اسمُه لا يعرفه إلا القليل من الناس ، ولا يهتدي كثير منهم إليه.
ولو كان هذا هو المقصود ، كان معناه حينئذ انه سبحانه رفع ذكره ، وعرّفه
__________________
١ ـ نهج البلاغة : من الخطبة ١٧٨ والمسماة بالقاصعة : ص ١٨٢.
٢ ـ لاحظ السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ١٣١ وغيره ، وفي هذه القصة يروي عن حيدة بن معاوية العامري سمعت شيخاً يطوف بالبيت وهو يقول :
ياربّ ردّ راكبي محمَّداً |
|
أردده ربّي واصطنع عندي يدا |