إن هذا الفريق ـ لتسرعه في اصدار الحكم في الاُمور المتعلقة ـ بالغيب وقضايا ما وراء الطبيعة ، وحصر أدوات المعرفة بالحس والتجربة ـ انكروا عالم الوحي ، بحجة أنّ الحس والتجربة لا يقودانهم إلى ذلك العالم ، ولا يخبرانهم عن مثل تلك الموجودات ، فلكونها بالتالي لا تخضع لمبضع التشريح ، ومجهر الإختبار أنكروها بالمرة ، وكانت النتيجة أن أدوات المعرفة المعروفة ( الحسّ والتجربة ) حيث انها لا تهدي إلى عالم ما وراء المادة فاذن لا وجود خارجي لذلك العالم ولحقائقه أبداً!
إنَّ هذا النمط من التفكير نمط جدُّ ضيق ومحدود ، مضافاً إلى انه يتسم بالغرور والغطرسة ، فهو من باب « استنتاج عدم الوجود من عدم الوجدان » في خطوة متعجلة فجّة!!
فمادامت هذه الحقائق الّتي يعتقد بها الالهيّون المؤمنون باللّه لا يمكن التوصل اليها عن طريق الادوات الفعلية المتعارفة بينهم للادراك والمعرفة فهي اذن لا اساس لها من الواقع!!
ان الّذي لا شك فيه هو : ان الماديين لم يدركوا مقالة العلماء الالهيين حتّى في مسألة اثبات الصانع الخالق فكيف بالعوالم الاُخرى لما فوق الطبيعة ، ولو أنّ الفريقين تحاورا في جوّ علمي مناسب ، بعيداً عن الأغراض والعصبيّات ، لكان من المتوقع ان تزول الفواصل بين الماديين والالهيين في اقرب وقت ، وأين يرتفع هذا الاختلاف الّذي قسَّم العلماء إلى فريقين على طرفي نقيض.
لقد اقام المؤمنون الموحِّدون عشرات الأدلة والبراهين القاطعة على وجود الله تعالى ، واثبتوا بأَنَّ هذه العلوم الطبيعية هي نفسها تقودنا إلى الخالق العالم القادر ، وان هذا النظام العجيب السائد في ظواهر الكائنات الطبيعيّة وبواطنها لدليل قاطع ، وبرهانٌ ساطع على وجود مبدع هذا النظام ، وأن جميع أجزاء هذا الكون الماديّ ، من ذراته إلى مجراته ، يسير وفق قوانين دقيقة متقنة ، ولا تستطيع الطبيعة الصماء العمياء ابداً أن تكون مبتكرة لهذا النظام البديع ، ومبدعة لهذا الترتيب الدقيق.