يعملون لتحقيق هذه الأهداف ليل نهار ، بلا سأم ولا ملل ، ولا تعب ولا نصب.
فكيف يمكن القول والحال هذه بان الشخصية الباطنية تجلّت لديهم واوحت اليهم بحقائق وقيم وافكار؟
إن تفسير ( الوحي الالهي ) الّذي يُلقى إلى الانبياء ويكشف لهم عن أدق الحقائق وارفعها ، وأعظم المناهج واكملها ، بتجلّي الشخصية الباطنية ، ناشئ من اعتقاد هذا الفريق من العلماء بأصالة المادة ، أو بعبارة اخرى : حصر الوجود في المادة ، ومن هنا حاولوا إلْباس كل شيء حتّى الامور المعنوية والغيبية : اللباس الماديّ ، واغلقوا على أنفسهم باب عوالم الغيب ، وعمدوا إلى التفتيش عن علة مادية حتّى لظاهرة ( الوحي ) الّتي لا تُقاس بمقاييس العالم المادّي.
هذا مضافاً إلى أن تفسير ( الوحي الالهيّ ) عن طريق نظرية تجلّي الشخصية الباطنية ، وخاصة في شأن رسول الإسلام « محمَّد » صلىاللهعليهوآلهوسلم يواجه اشكالات ومؤاخذات اخرى تجعل هذه النظرية في عداد الاساطير!!
وإنّ ابرز هذه الاشكالات الواردة على هذه النظرية في مجال رسول الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم هي : أنّ هذه النظرية ليست رأياً جديداً وتهمة جديدة توجه إلى نبوة رسول الإسلام.
فان نظرية « الشخصية الباطنية ، والوحي النفسي الذاتي » هي نظرية متبلورة ومتقدمة لتهمة ( الجنون والصَرع ) التي كان يَرمي بها العربُ الجاهليّون رسولَ اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم!!
فقد كان المشركون في بدء الدعوة يقولون : ان ما يقوله « محمَّد » وما يتكلم به ليس إلا افكاره القلقة المضطربة الناشئة عن خياله ، وانّ القرآن هي تلك الأفكار المضطربة الّتي تسربت إلى فضاء عقله من دون ارادة منه ولا اختيار!!
لنستمع إلى القرآن الكريم وهو ينقل عنهم هذا الاتهام :
« بَلْ قالُوا اضغاثُ أَحلام » (١).
__________________
١ ـ الأنبياء : ٥.