الحس والتعقل.
إنه نوعٌ جديدٌ من المعرفة ونمط متميّز من إدراك الحقائق ، ليس محالا من وجهة نظر العلم وان كان يصعُب على أصحاب الاتجاه المادّي القبول به لكونه طريقاً غير حسي ولا تعقّلي.
وأما من جهة الاُصول العِلمية فلا مجال لإنكاره ، ولا مبرّر لعدّه من المحالات.
ان طريق التعرُّف على حقائق الكون الخارج عن الذهن ـ في منهج المادّيين ، وأصحاب النزعة المادية ـ ينحصر في قناتين لا اكثر ، وهما اللّذان سبق ذكرُهما ، في حين أنّ هناك ـ حسبَ نظرة الأديان والشرائع الكبرى وحسب نظرة الفلاسفة والعرفاء الالهيين ـ قناة ثالثة أيضاً.
بل إنَّ هذا الطريق الثالث ـ كما أسلفنا في مسألة الوحي ـ أكثر واقعية ، وأقوى أسُساً ، وأوسع آفاقاً عند من يدَّعون الرسالة ، والنبوة من جانب اللّه سبحانه ، وإن نفوس اُولئك الأشخاص لتبدو أكثر صفاء وطراوةً بفضل هذا الطريق ، وفي ضوء هذه القناة.
وكلّما حصل إرتباط بين اللّه ، وبين فرد من أفراد النوع الإنساني على نحو خاص اُلقيت الحقائق في وجوده من دون توسط الحواس الظاهرية ، وإعمال الفكر ، واستخدام جهاز العقل.
وهذا النوع من الإلقاء يسمى حيناً بالالهام ، وبالاشراق حيناً آخر.
ولكن كلما نتج من إرتباط الإنسان بما وراء الطبيعة سلسلة من التعاليم العامّة والأنظمة والبرامج الشاملة اُطلِق على هذا النوع من الإلقاء عنوان ( الوحي ) ، وسمِّيَ الآتي بها ( ملَك الوحي ) والآخذ لها ( نبيّاً ).
هذا وقد يوجب الإلهام الثقة والاطمئنان للملهَم إليه ، ولكنّهُ لا يمكن أن يكون مبعث الإطمئنان والثقة عند الآخرين (١).
__________________
١ ـ وانما قلنا « قد » أي يمكن أن يوجب الاطمئنان ولم نقطع بذلك لأنّ مصدر هذه الالهامات