وأبطح براسه الحائط ، فصاح فاجتمع أعوان المسجد فوضعوا ردائي في رقبتي وساقوني حتّى دخلوني على هشام بن عبدالملك وابو شيبة يقدمني فصاح يا أمير المؤمنين؟ قاصّك وقاصّ آبائك وأجدادك أتى إليه اليوم أمرٌ عظيمٌ. قال : من فعل لك؟ فقال : هذا. فالتفت إليّ هشام وعنده أشراف النّاس فقال : يا أبا يحيى؟ متى قدمت؟ فقلت : أمس وأنا على المصير إلى أمير المؤمنين فادركتني صلاة الجمعة فصلَّيت وخرجت إلى باب الدرج فإذا هذا الشيخ قائمٌ يقصُّ فجلست إليه فقرأ فسمعنا ، فرغَّب مَن رغبَّ ، وخوّف مَن خوّف ؛ ودعا فأمّنا ، وقال في آخر كلامه : اختموا مجلسنا بلعن أبي تراب ، فسالت مَن أبو تراب؟
فقيل : عليُّ بن ابي طالب ، أوَّل الناس إسلاماً ، وإبن عم رسول اللّه ، وأبوالحسن والحسين ، وزوج بنت رسول اللّه. فواللّه يا أمير المؤمنين؟ لو ذكر هذا قرابة لك بمثل هذا الذكر ولعنه بمثل هذا اللعن لأحللت به الّذي أحللت ، فكيف لا أغضب لصهر رسول اللّه وزوج إبنته؟! فقال هشام : بئس ما صنع. تاريخ ابن عساكر ٣ ص ٤٠٧.
هذه جملةٌ من النصوص النبويَّة ، والكلم المأثورة عن أمير المؤمنين والصحابة والتابعين في أنَّ عليّاً أوَّل مَن أسلم : وهي تربو على مائة كلمة ، أضف اليها ما مرَّ ج ٢ ص ٢٧٦ من أنَّ أمير المؤمنين سبّاق هذه الاُمَّة. واشفع الجميع بما أسلفناه ج ٢ ص ٣٠٦ من أنَّه صلوات الله عليه صدِّيق هذه الاُمة ، وهو الصِّديق الاكبر.
فهل تجد عندئذ مساغاً لمكابرة إبن كثير تجاه هذه الحقيقة الراهنة وقوله : وقد ورد في أنَّه أوَّل من أسلم. إلخ؟!؟! فإذا لا يصحُّ مثل هذه فما الَّذي يصحّ؟ وإن كان لا يصحّ شيء منها فما قيمة تلك الكتب المشحونة بها؟! كلا ، إنَّها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون.
وأنت ترى الرجل يزيف هذه الكلم والنصوص الكثيرة الصحيحة بحكم الحفّاظ الأثبات بكلمة واحدة قارصة ، ويعتمد في إثبات أيِّ أمر يروقه في تاريخه على المراسيل والمقاطيع والآحاد ، ونقل المجاهيل وأفناء الناس (١).
__________________
١ ـ الغدير : ج ٣ ص ٢١٩ ـ ٢٣٩.