فقالوا : بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلّمه.
فقام إليه « عتبة » حتّى جلس إلى رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : يابن أخي إنك منّا حيث ما قد علمت من الشرف في العشيرة والمكان في النسب ، وانك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم وسفّهت به أحلامَهم ، وعبت به آلهتهم ، ودينهم ، وكفّرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع مني اُعرض عليك اُموراً تنظر فيها لعلّك تقبل منها بعضَها ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قل يا أبا الوليد اسمع.
قال : يا ابن أخي إن كنتَ إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتّى تكون اكثرنا مالا ، وان كنت تريد به شرفاً سَوَّدناك علينا حتّى لانقطع أمراً دونك ، وإن كنتَ تريدُ به مُلكا ملّكناك علينا ، وإن كان هذا الّذي يأتيك رئيّاً ( وهو ما يتراءى للناس من الجنّ ) تراه لا تستطيع ردَّهُ عن نفسك طلبنا لك الطبَّ ، وبذَلنا فيه أموالنا حتّى نُبرئك منه فإنه ربّما غلب التابع على الرجل حتّى يداوي منه ، حتّى إذا فرغ « عتبة » ، ورسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يستمع منه قال : أقد فرغتَ يا أبا الوليد؟ قال : نعم قال : فاسمع منّي ؛ قال : إفعل ، قال : « بِسم اللّه الرحمن الرَّحيم. حم * تَنْزيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرآناً عَربيّاً لِقَوْم يَعْلَمُونَ. بَشيراً وَنَذيراً فَأَعْرضَ اكثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ. وَقالُوا قُلُوبُنا في أكنّة مِمّا تَدْعُونا إليْهِ » (١).
ثم مضى رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها يقرؤها عليه ، فلمّا سمعها منه « عتبة » أنصتَّ لها وألقى يديه خلفَ ظهره معتمداً عليهما يسمع منه وبقي على هذه مدة من الزمن صامتاً وكأنه قد سُلِبَ قدرة النطق ، ثم انتهى رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى السجدة فسجد ثم قال :
« قد سمعتَ يا أبا الوليد ما سمعتَ فأنتَ وذاك ».
__________________
١ ـ فصلت : ١ ـ ٥.