وهذا الشرط لم يكن متوفراً في بعض مقترحات المشركين المذكورة ( المقترح الرابع ) فانهم طَلبوا من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ان يأتي لهم باللّه سبحانه وتعالى ليقابِلوه وجهاً لوجه ، ويروه جهرة ومن قريب ، ورؤية اللّه تعالى امر محال ، لأن رؤيته تستلزم أن يكون سبحانه محدوداً بالزمان والمكان ، وأن يكون جسماً وذا لون وصورة وهو تعالى منزهٌ عن المادّة ولوازم المادية.
بل حتّى مقترحُهم الثالث لو كان المقصود منه أن تسقط السماء عليهم ( لا أن تسقط قطعة من الصخر على رؤوسهم وتقتلهم ) فان ذلك هو أيضاً من المحالات إذ أن المشيئة الالهية تعلّقت بان يفعل اللّه هذا في نهاية العالم ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان قد أخبر المشركين بهذا الأمر أيضاً كما يدل عليه قولُهم : « كما زعمتَ ».
إنَّ إنهدامَ المنظومة الشمسيّة وتبعثرَ النجوم وتساقطها وإن لم يكن في حد ذاته بالأمر المحال ، ولكنّه ـ حسب المشيئة الإلهية الحكيمة وإرادته النافذة القاضية بأن يستمر النوع البشري ، ويصل إلى مرحلة الكمال ـ يعدّ محالا ، ولا يمكن أن يفعل حكيمٌ خلاف ما يقتضيه هدفه وغايته.
ثانياً : حيث أنّ الغاية المنشودة من اقتراح وطلب الإعجاز هو أن يستدِلّ به على صدق دعوى النبيّ ، وصحة انتسابه إلى اللّه ، وبالتالي يكون بدافع تحصيل سند على ارتباطه بعالم ما فوق الطبيعة ، لذلك فان أيّ اقتراح ومطالبة بالمعجزة لا تتوفر فيها هذه الصفة يعني على فرض أن يلبيّ النبيُ طلبَهم ويأتي لهم بالمعجزة لا يكون ذلك دليلا على ارتباطه بعالم الغيب ، فحينئذ لا معنى ولا موجب لأن يقوم النبيُّ بما لا يرتبط بشؤونه ولا يخدم هدفه.
وقد كانت بعض مقترحات المشركين المذكورة من هذا النوع ، وذلك مثل تفجير ينبوع من الأرض ، أو أن تكون له جَنّة من نخيل وعنب ، أو أن يكون له بيتٌ من زخرف وذهب ، فإنّ مثل هذه الاُمور لا تدل على نبوّة من يمتلكها إذ ما اكثر الذين يمتكلون واحدة من هذه الأشياء وليسوا مع ذلك بأنبياء ، بل ربما يملكون اكثر من ذلك ، ومع ذلك لا يشم فيهم رائحة الايمان فضلاً عن النبوة.