فقالوا له : يا محمَّد إنّا قد بعثنا إليك لنكلّمكَ ، وانّا واللّه ما نعلم رجلا من العرب أدخلَ على قومه مثلَ ما أدخلتَ على قومك لقد شتمتَ الآباء ، وعبتَ الدّين ، وشتمت الآلهة ... ومضوا يعددون أُموراً من هذا القبيل ثم اقترحوا عليه اُموراً ذكرها اللّه تعالى بتمامها في الآية ٩٠ إلى ٩٣ من سورة الإسراء حيث يقول حاكياً عن لسانهم :
« وَقالُوا لن نُؤمن لَك حَتى
١ ـ تفجُرَ لَنا مِنَ الأَرض يَنْبُوعاً.
٢ ـ أوْ تكون لك جَنَّةٌ مِن نَخيْل وعنَب فَتُفجّر الأَنْهارَ خِلالَها تفجيراً.
٣ ـ أوْ تُسقطَ السَماء كما زعَمْتَ عَلْينا كِسَفاً.
٤ ـ أوْ تأتي باللّه وَالملائكة قبيلا.
٥ ـ أو يكُونَ لكَ بَيْتٌ مِن زُخْرُف.
٦ ـ أوْ ترقى في السَماء ولن نؤمنَ لِرُقيِّكَ حَتّى تُنزِّلَ عَليْنا كِتاباً نَقْرؤُهُ »!!
* * *
وحيث أنَّ مضمون هذه الآيات هو عدم تلبية النبيّ لِمطالبِ قُريش حيث قال : « قُلْ سُبْحانَ اللّه رَبّي هَلْ كُنْتُ إلاّ بَشراً رَسُولا » قد تذرع به المستشرقون للايقاع بالرسالة المحمَّدية لذلك نعمد هنا إلى توضيح مفاد هذه الآيات والعلل المنطقيّة لعدم تلبية النبيّ مطالب قريش ومقترحاتهم.
الجواب : إنَّ الأنبياء لا يأتون بالمعاجز في كل ظرف وزمان ، فإن للاعجاز شروطاً خاصة لم تتوفر في هذه الاقتراحات ، وهذه الشروط هي :
أولاً : أن لا تكون المعجزة من الاُمور المستحيلة الّتي لا يمكن تحقّقها ، فإنّ مثلَ هذه الاُمور خارجة عن إطار القدرة ، ولا تتعلق بها مشيئة اللّه تعالى ولا مشيئة أيّ صاحب إرادة مطلقاً.
وعلى هذا الأساس إذا طلب الناسُ من النبيّ أمراً محالا ، فقوبل طلبهم بعدم الاهتمام من قبل النبيّ لم يكن ذلك دليلا على إنكار صدور المعجزة على أيدي الأنبياء قط.