يجيب عليها ، وحيث أن هذه الاسئلة كانت تطرَح في أوقات مختلفة ، لهذا لم يكن مناص من أن ينزل الوحيُ الالهيُ في الأوقات والأزمنة المختلفة ، وعلى نحو التدريج.
هذا مضافاً إلى أن حياة النبي نفسَها كان حياة ثورة ، ووقائع ، وكان النبيُ يواجه باستمرار أحداثاً وقضايا يجب توضيح حكمها ، وبيان المنهج فيها من جانب الوحي الالهي.
وربما كان الناس أنفسهم يواجهون في حياتهم اليومية حوادثاً واُموراً يرجعون فيها إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يطلبون منه الحكم الالهيّ فيها ويسألونه عما يجب إتخاذه من الموقف الشرعيّ في تلك الحوادث وما يشابهها.
وحيث أن هذه الحوادث ، وما يترتب عليها من تساؤلات كانت تقع في اوقات متلفة ، وبمرور الزمن ، لذلك لم يكن بد ايضاً من ان ينزل الوحيُ الالهيّ بالتدريج ليجيب على هذه الأسئلة أوّلا بأوّل.
وقد أشار القرآنُ الكريمُ إلى هذه النقاط ، وإلى نقاط اُخرى غيرها في قوله تعالى : « ولا يَأْتُونَكَ بمَثَل إلا جِئناكَ بِالحَقِّ وَأَحسَنَ تَفْسيراً » (١).
٤ ـ إن للنزول التدريجيّ للقرآن الكريم وراء كل ذلك سراً آخر ، وعلة اُخرى غفلوا عنها ، ألا وهي : هداية الناس وتوجيه أنظارهم إلى منشأ هذا الكتاب ، وأن القرآن ليس الاّ كتاباً سماوياً ، ووحياً الهياً لا غير ، ولا يمكن أن يكون من نسج العقل البشريّ ، لأن القرآن نزل خلال ( ٢٣ عاماً ) عبر طريق طويل من أنواع الحوادث والوقائع المسرة والمحزنة ، المقرونة بالنصر والهزيمة ، والنجاح والإخفاق ، ولا شكَّ أن هذه الحالات المختلفة ، والاحاسيس والمشاعر المتنوعة المتباينة ، تترك أثراً عميقاً في نفس الإنسان ، وروحه وعقله ، ولا يمكن لإنسان واحد أن يتكلم بكلام من نوع واحد ، وبنبرة واحدة ، في حالتين
__________________
١ ـ الفرقان : ٣٣.