بطلبٍ من قريش ، تماماً كما طلبت من ملك الحبشة مثل هذا الطلب ، ولكنه رفض طلبهم.
وقد كانت الرحلة البحرية ـ في تلك الآونة ـ وبخاصة برفقة النساء والاطفال رحلة شاقة جداً ، من هنا كانت هذه الهجرة ، وترك الحياة والمعيشة في الوطن دليلا قوياً على إخلاص اُولئك المهاجرين لدينهم وعمق ايمانهم به ، وصدقه.
ولقد كان ميناء « جدة » آنذاك ميناء تجارياً عامراً كما هو عليه الآن ، ومن حسن التوفيق أن هذه الثلة المهاجرة قد وصلت إلى هذا الميناء في الوقت الّذي كانت فيه سفينتان تجاريتان على اُهبة الاقلاع ، والتوجه نحو الحبشة ، فبادر المسلمون إلى ركوبها والسفر عليها دون تلكّؤ خشية لحاق قريش بهم والقبض عليهم ، لقاء نصف دينار عن كل راكب.
وكان ذلك في شهر رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول اللّه (١).
ولما عرف المشركون بهجرة بعض المسلمين أمروا جماعةً من رجالهم بملاحقة اولئك المهاجرين واعادتهم إلى مكة فوراً ، ولكن المسلمين المهاجرين كانوا قد غادروا شواطئ « جدة » قبل أن يدركهم الطلب (٢).
ومن الواضح أن ملاحقة مثل هذه الثلة الّتي لم تلجأ إلى أرض الغير إلاّ لأجل الحفاظ على عقيدتها والفرار من الفتنة لنموذج بارز من عتوّ قريش وعنادها.
فاولئك المهاجرون مؤمنون تركوا الأهل والوطن ، واغمضوا الطرف عن المال ، والتجارة ، وخرجوا يطلبون أرضاً نائية يمارسون فيها شعائرهم بحرية ، ومع ذلك لا يكف عنهم زعماء مكة وجبابرتها وطغاتها!!
اجل ان رؤساء « دارالندوة » بمكة واقطابها كانوا يعلمون جيداً أسرار هذه
__________________
١ ـ بحار الأنوار : ج ١٨ ، ص ٤١٢ نقلا عن مجمع البيان للطبرسي.
٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٢١ ـ ٣٢٣.