يدخلوا في دينك ، وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بَعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردَّهم اليهم ، فهم أبصر بهم واعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه.
وما أن انتهى موفدا قريش من الكلام إلاّ وقالت بطارقته حوله : صدقا أيها الملك ، قومُهم أبصرُ بهم ، وأعلمُ بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما ، فليرداهم إلى بلادهم وقومهم.
فغضبَ النجاشيّ وكان رجلا حكيما عادلا وقال : لاها اللّه ، إذن لا اُسلمهم إليهما ، ولا يُكادُ قوم جاوَرُوني ، ونَزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتّى أدعوَهم فاسألهم عما يقول هذان في أمرهم فان كانوا كما يقولان أسلمتُهُم اليهما ، ورددتُهم إلى قومهم ، وان كانوا على غير ذلك منعتهم منهما واحسنتُ جِوارَهم ما جاوروني.
ثم ارسل إلى أصحاب رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم المهاجرين إلى الحبشة فدعاهم من غير أن يعلمهم بما يريد منهم ، فحضروا عنده ، وكانوا قد قرّروا أن يكون متكلِّمُهم وخطيبهم : « جعفر بن أبي طالب » وقد قلِقَ بعضُ المسلمين لما قد سيقوله « جعفر » عند الملك ، وبماذا سيكلّمهُ ويجيبُه ، فسألوه عن ذلك فقال لهم جعفر : أقول واللّه ما علّمنا ، وما امرنا به نبيُنا صلىاللهعليهوآلهوسلم كائناً في ذلك ما هو كائن.
فالتفت النجاشيُ إلى « جعفر » وسأله قائلا :
ما هذا الدين الّذي فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا ( به ) في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل؟
فقال جعفر بن ابي طالب :
« أيُّها الملك ، كنّا قوماً أهلَ جاهلية نعبُدُ الأَصنامَ ، ونأكلُ الميتةَ ، ونأتي الفواحش ، ونقطعُ الارحام ، ونسيءُ الجوار ، ويأكلُ القويّ منّا الضعيف ، فكنّا على ذلك حتّى بعث اللّه الينا رسولا منا ، نعرف نسبَه وصدقه ، وأمانته وعَفافه ، فدعانا إلى اللّه لنوحِّدَه ونعبُدَه ، ونخلَعَ ما كنّا نعبُد نحن وآباؤنا من دونه من