فلم يدخل منهم إلى « مكة » إلاّ قليل دخلوها مستخفين أو في جوار بعض الشخصيات القرشية بينما عاد الأكثرون من حيث جاؤوا.
وكان ممن دخل « مكة » بجوار ، « عثمان بن مظعون » الّذي دخلها بجوار « الوليد بن المغيرة » (١) ولكنه كان يشاهد ما فيه أصحابُ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم من البلاء ، والعذاب وهو يغدو ويروح في امان فتألّم لذلك ولم تطِق نفسه تحمُّلَ هذا الفَرق وقال : واللّه إن غدوّي ورواحي آمناً بجوار رجل من أهل الشرك ، وأصحابي وأهلُ ديني يلقَون من البلاء والأذى في اللّه ما لا يصيبني لنقصٌ كبير في نفسي فمشى إلى « الوليد بن المغيرة » وردَّ عليه جواره ليواسي المسلمين ويشاركهم في آلامهم ومتاعبهم وقال : يا أبا عبد شمس وفَت ذِمّتُك ، قد رَددْتُ إليك جوارَك.
قال : لِمَ يابن أخي؟ لعلَّه آذاك أحدٌ من قومي؟
قال : لا ولكني أرضى بجوار اللّه ولا اُريد أن أستجير بغيره.
فقال الوليد له : إذن فاردُد عليّ جوارى علانية كما أجرتُك علانيةً.
فانطلقا فخرجا حتّى أتيا المسجدَ ، فقال « الوليدُ » مخاطباً من حضر مِن قريش : هذا عثمان قد جاء يردُّ عليّ جواري.
قال : صدق ، قد وجدتُه وفيّاً كريمَ الجوار ولكنّي قد احببتُ أن لا استجيرَ بغير اللّه ، فقد رردتُ عليه جواره (٢).
ثم لم يمض شيء مِنَ الوقت حتّى دخَلَ المسجدَ « لبيد » وكان شاعراً متكلِّما بارزاً من شعراء العرب ومتكلّميها ووقف في مجلس من قريش ينشدهم و « عثمان بن مظعون » جالس معهم فقال مِن جملة ما قال شعراً :
ألا كلُ شيء ما خلا اللّه باطلُ
فقال عثمان بن مظعون : صدقتَ فقال : لبيد :
__________________
١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٦٩.
٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٧٠.