ثم بعثوا إلى الصحيفة وأنزلوها من الكعبة ، وعليها أربعون خاتماً.
فلما أتَوابها نَظر كلُ رجل منهم إلى خاتمه ، ثم فكوها فاذا ليس فيها حرفٌ واحدٌ إلاّ « باسمك اللّهمَّ » ، كما اخبرهم بذلك رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
غير أنَّ هذا لم يوجب هدايتهم بل زادهم شراً وعناداً ورجع بنو هاشم مرّة اُخرى الى الشعب وبقوا محاصرين فيه مدّة من الزمن ولم يمكنهم الرجوعُ إلى منازلهم بمكة إلاّ بعد أن نقضها هشام.
وقد قال « أبو طالب » في مدح هذا ( أي نقض الصحيفة القاطعة والنَفر الذين قاموا بنقضها ) قصيدة مطوَّلة جاء في مطلعها.
ألا هل أتى بَحريُّنا (١) صنعُ ربّنا |
|
على نأيهم واللّه بالناس أرودُ (٢) |
فيخبرهم أنَّ الصحيفة مُزّقَت |
|
وان كلُّ ما لم يَرضه اللّه مُفسدُ (٣) |
هذه أمثلةٌ ونماذجُ من رُدود الفعل الظالمة والمواقف المناوئة الّتي اتخذتها قريشٌ تجاه الدعوة المحمدية.
على أنه لا يمكن الادّعاء القطعيّ بأن جميع هذه الردود قد وقعت على الترتيب الّذي ذكرناه تماماً ، ولكن يمكن بمراجعة النصوص التاريخيّة تحصيل مثل هذا الترتيب وخاصّة أن مسألة انتهاء المحاصرة الاقتصادية قد وقعت في منتصف شهر رجب من السنة العاشرة للبعثة الشريفة.
كما أنَّ أذى قريش وردود فعلها ضدّ الإسلام والمسلمين وضدّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصّة لم تنحصر في ما ذكرناه في هذه الفصول بل كانت هناك أساليب اُخرى سلكتها قريش لتحطيم شخصية النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأضعاف عزيمته مثل وصفهم للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالأبتر.
فقد كان « العاصُ بن وائل السهمي » إذا ذكر رسول اللّه قال : دعوهُ ، فانَّما هو رجلٌ أبترٌ لا عقب له ، لومات لا نقطع ذكره واسترحتم منه.
__________________
١ ـ يقصد من هاجر من المسلمين إلى الحبشة في البحر.
٢ ـ أي أرفقُ.
٣ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٧٧ ـ ٣٨٠ وقد أدرج ابن هشام القصيدة بتمامها ، فراجع.