يأتي « المطعم بن عدي » بمكة ، وكان من الشخصيات المكية البارزة ويسأله أن يجير رسول اللّه ليدخل مكة في أمان من اذى قريش وكيدها.
فدخل الخزاعيّ مكة ، وأبلغ المطعم ما طلبه منه رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقبل المطعم ـ رغم كونه وثنياً مشركاً ـ ان يجير رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال للخزاعي : ائته فقل له : إني قد أجرتك فتعال.
فدخل رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم مكة ليلا ونزل في بيت مطعم مباشرة ، وبات ليلته هناك ، ولما طلعت الشمس من صبيحة غد قال مطعم لرسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : لتعلمنّ قريش بانك في جوارنا ، فاصحبنا إلى البيت ، ليروا جوارنا.
فاستحسن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم رأيه فاخذ المطعم وأهلُ بيته السلاح ودخلوا مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في المسجد الحرام ، وكان ورودهم في المسجد بهيئة رائعة.
وكان أبو سفيان قد كمن للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ليكيد به ، فلما رأى هذا المشهد المهيب غضب غضباً شديداً ، وانصرف عن ايذاء رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فجلس المطعم وولده واختانه واخوه ، وطاف رسول اللّه بالبيت وصلى عنده ثم انصرف إلى منزله. (١).
ولم يمض على هذه الحادثة زمان طويل حتّى هاجر رسول اللّه صلى الله عليه
__________________
١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٨١. بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ٧ و ٨. ويستبعد بعض المحققين ان يكون رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قد طلب الجوار من مشرك أو دخل في جوار مشرك ، على غرار عدم قبوله الهدية من المشرك وذكر لذلك ادلة ووجوها.
ولكن يمكن الاجابة على هذا بأن الاجارة كانت امراً عادياً في ذلك العصر ، ولم يكن فيها ما يوجب شيناً على رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم تستلزم منة عليه.
ثم ما المانع في مثل هذا الجوار لو ترتبت عليه مصالح عليا ، كتمكين رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم من الدخول بسلام إلى مكة ، وتمكنّه من القيام بمهامّه الرسالية ، خاصة ان هذا الجوار لم يستغرق إلاّ يوماً أو بعض يوم وتسنّى بعده لرسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ترتيب اوضاعة في مواجهة الاخطار الّتي كانت تتهدده من جانب المشركين بمكة.