بالصورة المتقدمة الذكر ، خاصة أنّ عبارة ذينك المؤلّفين ( الطبري وابن الأثير ) تطابق عبارة ابن هشام في هذا المجال تماماً.
هذا مضافاً إلى أنّ القضية لا توجد بهذه الصورة في مؤلفات علماء الشيعة على ما نعلم.
ولقد نقل شيخُ الطائفة الامامية محمّد بن الحسن الطوسيّ المتوفى عام ٤٦٠ في أماليه قصة الهجرة بشكل اكثر تفصيلا ودقة ، وذكر العبارة المذكورة مع تغيير بسيط ، الاّ أنه تختلف صورة القضيّة مع ذلك عما هي عليه في كتب أهل السنة ، فانه رحمهالله يصرّح بان عليّاً عليهالسلام انطلق هو و « هندبن أبي هالة » ابن خديجة وربيب رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في منتصف الليل بعد ليلتين من الهجرة حتّى دخلا على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ :
« إنّهم لن يَصِلُوا مِنَ الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتّى تقدم عليّ » (١).
وهذه الجملة تشبه الجملة الّتي ذكرها ابن هشام والطبري وابن الأثير ، ولكن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قالها لعليّ عليهالسلام مطمئِناً إِياه بعد ليلتين من المبيت في الفراش ، وليس ليلة المبيت كما يروي الثلاثة المذكورون.
هذا علاوة على أنّ كلام علي نفسه خير شاهد على ما نقول :
فلقد عدّ عليّ عليهالسلام عمله هذا ( أي المبيت في فراش رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في تلك الليلة الرهيبة ) نموذجاً من بذله وتفانيه في سبيل الحق كما يتضح ذلك بجلاء من اشعاره حيث يقول :
وَقَيتُ بنفسي خيرَ مَن وَطأ الحصا |
|
ومَن طاف بالبيتِ العتيقِ وبالحجر |
محمّد لما خافَ أن يمكُروا بهِ |
|
فَوقّاهُ ربّي ذُوالجلالِ مِن المَكرِ |
وَبِتُ اُراعي منهم ما يسوءني |
|
وَقَد وطّنَت نفسي على القتل والأسر |
وباتَ رَسُولُ اللّهِ في الغار آمِناً |
|
هناكَ وَفي حفظِ الاله وفي سَترِ (٢) |
__________________
١ ـ الأمالي : ج ٢ ، ص ٨٤.
٢ ـ المصدر السابق وغيره ، هذا مضافاً إلى أنَّ الامام عليهالسلام نفسه قد استنشد المسلمين مراراً بهذه القضية مستدلا بها على تفانيه في سبيل الإسلام.