إن تنامي الخرافة « يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمستوى العلمي والثقافي في كل مجتمع ، فبقدر ما يكون المجتمع متخلفاً من الناحية الثقافية والعلمية تزداد نسبة وجود الخرافة ومقدار نفوذها في عقول الناس ونفوسهم.
لقد سجل التاريخ عن سُكّان شبه الجزيرة العربية طائفة هائلة وكبيرة من الاوهام والخرافات ، وقد جمع السيّد محمود الآلوسي اكثرها في كتابه « بلوغ الارب في معرفة احوال العرب » ، مُرفقاً كل ذلك بما حصل عليه من الشواهد الشعرية وغيرها (١).
ومن يتصفح هذا الكتاب يقف على ركام هائل من الخرافات الّتي كانت تملأ العقل العربي الجاهل آنذاك وتعشعش في نفوسهم ، وقد كانت هذه السلسلة الرهيبة من الأوهام هي السبب في تخلّف هذا الشعب عن بقية الشعوب والاُمم الاخرى.
ولقد كانت هذه الخرافات من أكبر السدود في طريق تقدم الدعوة الإسلامية ، ولهذا أجتهد النبيُّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم بكل طاقاته في محو وازالة آثار الجاهلية الّتي لم تكن سوى تلك الأوهام والاساطير والخرافات.
فعندما وجَّه « معاذ بن جبل » إلى اليمن اوصاه بقوله :
« وامِتْ أمرَ الجاهِليَّة إلاّ ما سنَّهُ الإسلامُ وَأظهِرْ أمرَ الأسلام كلّه صغيرهُ وكبيرهُ » (٢).
لقد وقف رسولُ اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أمام جماهير كبيرة من العرب الذين كانت عقولُهم ترزح تحت الافكار والمعتقدات الخرافية ردحاً طويلا من الزَمن يعلن عن نهاية عهد الأفكار والاوهام الجاهلية إذ قال : « كُلُّ مأثرة فيْ الجاهِليَّة تحتَ قَدَميّ » (٣).
__________________
١ ـ بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب : ج ٢ ، ص ٢٨٦ ـ ٣٦٩.
٢ ـ تحف العقول : ص ٢٥.
٣ ـ السيرة النبوية : ج ٣ ، ص ٤١٢.