أقول : لا يخفى أنّ الصبيّ الآتي بوظيفة الوقت ـ كصلاة الصبح مثلا ـ إنّما يقصد بفعله الإتيان بالماهيّة المعهودة التي أوجبها الله تعالى على البالغين ، لا طبيعة أخرى مغايرة لها بالذات ومشابهة لها في الصورة ، كفريضة الصبح ونافلته ، لكن لا يقع ما نواه صحيحا بناء على التمرينيّة ، وله ما نواه على تقدير شرعيّته ، فهو على هذا التقدير مأمور دائما بصلاة الصبح ، بلغ أم لم يبلغ ، لكنّه ما لم يبلغ مرخّص في ترك امتثال الأمر ، فيكون تكليفه ندبيّا ، وبعد بلوغه غير مرخّص في ذلك ، فيكون إلزاميّا ، ومتى أتى بتلك الطبيعة جامعة لشرائط الصحّة سقط عنه هذا التكليف ، سواء كان ذلك بعد صيرورته إلزاميّا أم قبله من غير فرق بين أن يتعلّق بذلك التكليف المستمرّ أمر واحد ، كما لو أمره قبل البلوغ بصلاة الصبح دائما ما دام حيّا ثمّ رخّصه في ترك الامتثال ما لم يبلغ امتنانا به ، أو ثبت بخطابين مستقلّين ، بأن قال : تستحبّ صلاة الصبح قبل البلوغ وتجب بعده ، أو تستحبّ على الصبيّ وتجب على البالغ ، فإنّ حصول المأمور به في الخارج على نحو تعلّق به غرض الآمر كما أنّه مسقط للأمر المتعلّق به بالفعل ، كذلك مانع عن أن يتعلّق به أمر فيما بعد ؛ لكونه طلبا للحاصل.
فظهر بما ذكر ضعف الاستدلال لوجوب الاستئناف : بعمومات الأمر بالصلاة في الكتاب والسنّة ، الظاهرة في المكلّفين من نحو قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) (١) وغيره ؛ لما أشرنا إليه من أنّا إمّا نلتزم في مثل هذه الأوامر بأنّ الخطاب يعمّ الصبيّ ولكن ثبت له جواز الترك بدليل منفصل ، كحديث «رفع القلم» (٢)
__________________
(١) البقرة ٢ : ٤٣ ، ٨٣ ، ١١٠ ، النساء ٤ : ٧٧ ، النور ٢٤ : ٥٦ ، الروم ٣٠ : ٣١ ، المزّمّل ٧٣ : ٢٠.
(٢) سنن أبي داود ٤ : ١٤٠ ـ ١٤١ / ٤٤٠١ ـ ٤٤٠٣ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٣٨ ـ ١٣٩ / ١٧٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٨٤ ، ٢٠٦ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ٥٩ ، و ٤ : ٣٨٩ ، مسند أحمد ٦ : ١٠٠ ـ ١٠١.