أو بقوله : إنّي أرى غلاماً كيّساً لن يشهد إن شاء الله إلاّ بحقّ (١) وهو يوعز إلى أنّ الذين تقدّموه أغرار شهدوا بالباطل ، وعلى أيٍّ فقد استشعر زياد ميل الخليفة إلى درء الحدّ عن المغيرة فأتى بجمل لا تقصر عن الشهادة ، لكنّه تلجلج عن صراح الحقيقة لمّا انتهى إليه ، وكيف يصدّق في ذلك ، وقد رأى أستاهاً مكشوفة ، وخصيتين متردّدتين بين فخذي أُمّ جميل ، وقدمين مخضوبتين مرفوعتين ، وسمع حفزاناً شديداً ونفساً عالياً ، ورآه متبطّناً لها ، وهل تجد في هذا الحدّ مساغاً لأن يكون الميل في خارج المكحلة؟ أو أن يكون قضيب المغيرة جامحاً عن فرج أُمّ جميل؟
نعم ؛ كان في القضيّة تأوّل واجتهاد أدّى إلى أهميّة درء الحدّ في المورد خاصّة ، وإن كان الخليفة نفسه جازماً بصدق الخزاية كما يعرب عنه قوله للمغيرة : والله ما أظنّ أبا بكرة كذب عليك ، وما رأيتك إلاّ خفت أن أُرمى بالحجارة من السماء. قاله لمّا وافقت أُمّ جميل عمر بالموسم والمغيرة هناك فسأله عنها فقال : هذه أُمّ كلثوم بنت عليّ ، فقال عمر : أتتجاهل عليّ؟ والله ما أظنّ ... إلخ (٢).
وليت شعري لما ذا كان عمر يخاف أن يُرمى بالحجارة من السماء؟ ألردّه الحدّ حقّا؟ وحاشا الله أن يرمي مقيم الحقّ ، أو لتعطيله الحكم؟ أو لجلده مثل أبي بكرة الذي عدّوه من خيار الصحابة وكان من العبادة كالنصل؟ أنا لا أدري.
وكان عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام يصافق عمر على ما ظنّ أو جزم به فخاف أن يرمى بالحجارة ، وينمّ عن ذلك قوله عليهالسلام : «لئن لم ينته المغيرة لأتبعنّه أحجاره». أو قوله : «لئن أخذت المغيرة لأتبعنّه أحجاره» (٣).
وقد هجاه حسّان بن ثابت في هذه القصّة بقوله :
__________________
(١) كنز العمّال : [٥ / ٤٢٣ ح ١٣٤٩٧]. (المؤلف)
(٢) الأغاني : ١٤ / ١٤٧ [١٦ / ١٠٩] ، شرح النهج ٣ / ١٦٢ [١٢ / ٢٣٨ خطبة ٢٢٣]. (المؤلف)
(٣) الأغاني : ١٤ / ١٤٧ [١٦ / ١٠٩]. (المؤلف)