تلي عليكم ما فيها من أنواع الصوارف والموانع ، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون؟ أم أنتم على ما كنتم عليه ، كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟
وقال البيضاوي في تفسيره (١) (١ / ٣٥٧) : في قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) إيذانٌ بأنّ الأمر في المنع والتحذير بلغ الغاية وأنّ الأعذار قد انقطعت.
وما كان ذلك التأويل من الخليفة وطلب البيان بعد البيان ، وعدم الانتهاء قبل الزجر والوعيد إلاّ لحبّه لها وكونه أشرب الناس في الجاهلية كما ينمّ عنه قوله فيما أخرجه ابن هشام في سيرته (٢) (١ / ٣٦٨) : كنت للإسلام مباعداً ، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أُحبّها وأشربها (٣) ، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحَزْوَرة (٤) عند دور عمر بن عبد بن عمران المخزومي ، فخرجت ليلة أُريد جلسائي أُولئك في مجلسهم ذلك ، فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحداً فقلت : لو أنّي جئت فلاناً الخمّار ، وكان بمكة يبيع الخمر لعلّي أجد عنده خمراً فأشرب منها. الحديث.
وفيما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٠ / ٢١٤) عن عبد الله بن عمر من قول والده في أيّام خلافته : إنّي كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية ، وإنّها ليست كالزنا (٥)
ومن هنا خُصّ الخليفة بالدعوة وقراءة النبيّ الأعظم عليه الآيات النازلة في الخمر ، وكان ممّن يؤوّلها ولم ينتهِ عنها ، إلى أن نزل الزجر والوعيد بآية المائدة وهي آخر
__________________
(١) تفسير البيضاوي : ١ / ٢٨٢.
(٢) السيرة النبويّة : ١ / ٣٧١.
(٣) في المصدر : وأُسرّ بها.
(٤) الحزورة : كانت سوقاً من أسواق مكة ، وهي الآن جزء المسجد. (المؤلف)
(٥) وراجع سيرة عمر لابن الجوزي : ص ٩٨ [ص ١٢٢] ، كنز العمّال : ٣ / ١٠٧ [٥ / ٥٠٥ ح ١٣٧٤٦] ، منتخب الكنز ـ بهامش مسند أحمد ـ : ٢ / ٤٢٨ [٢ / ٥٠٠] ، الخلفاء الراشدون لعبد الوهاب النجار : ص ٢٣٨. (المؤلف)