الدنيا وأنّ في سائر المحرّمات منافع لمرتكبيها في دنياهم إلاّ أنّ تلك المنافع لا تفي بضررها من العقاب المستحق بارتكابها ، فذكره لمنافعها غير دالّ على إباحتها لا سيّما وقد أكّد حظرها مع ذكر منافعها بقوله في سياق الآية (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) يعني أنّ ما يستحقّ بهما من العقاب أعظم من النفع العاجل الذي ينبغي منهما.
فإن قيل : ليس في قوله تعالى : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) دلالة على تحريم القليل منها ، لأنّ مراد الآية ما يلحق من المآثم بالسكر وترك الصلاة والمواثبة والقتال ، فإذا حصل المأثم بهذه الأُمور فقد وفينا ظاهر الآية مقتضاها من التحريم ولا دلالة فيه على تحريم القليل منها.
قيل له : معلوم أنّ في مضمون قوله : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) ضمير شربها لأنّ جسم الخمر هو فعل الله تعالى ولا مأثم فيها وإنّما المأثم مستحقّ بأفعالنا فيها ، فإذا كان الشرب مضمراً كان تقديره في شربها وفعل الميسر إثم كبير فيتناول ذلك شرب القليل منها والكثير كما لو حرّمت الخمر لكان معقولاً أنّ المراد به شربها والانتفاع بها فيقتضي ذلك تحريم قليلها وكثيرها. انتهى.
فهذه كلّها عزبت عن الخليفة وكان يتطلّب البيان الشافي بعد هذه الآية وآية النساء بقوله : اللهمّ بيّن لنا بياناً شافياً. وما انتهى عنها إلاّ بعد لأي من عمر الدهر بعد نزول قوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ). قال القرطبي في تفسيره (١) (٦ / ٢٩٢) : لمّا علم عمر رضى الله عنه أنّ هذا وعيد شديد زائد على معنى انتهوا قال : انتهينا.
وقال ابن جزّي الكلبي في تفسيره (١ / ١٨٧) : فيه توقيف يتضمّن الزجر والوعيد ولذلك قال عمر لمّا نزلت : انتهينا انتهينا.
وقال الزمخشري في الكشّاف (٢) (١ / ٤٣٣) : من أبلغ ما يُنهى به كأنّه قيل : قد
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن : ٦ / ١٨٩.
(٢) الكشّاف : ١ / ٦٧٥.