الصحابة منه ، وقالت عائشة : لمّا نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر ، فنهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ذلك (١). ولا يكون بيان شافٍ في مقام الإعراب عن الحظر والحظر أولى منها ، ولا سيّما بملاحظة أمثال قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ) (٢) من الآيات الواردة في الإثم فقد حرّمت بكلِّ صراحة الإثم الذي هتفت الآية الأُولى بوجوده في الخمر ، والإثم : الذنب ، والآثم والأثيم : الفاجر. وقد يطلق على نفس الخمرة كقول الشاعر :
نشرب الإثم بالصواع جهاراً |
|
وترى المسك بيننا مستعارا |
وقول الآخر :
شربت الإثم حتى ضلَّ عقلي |
|
كذاك الإثمُ تذهب بالعقولِ (٣) |
وليست منافع الخمر إلاّ أثمانها قبيل تحريمها وما يصلون إليه بشربها من اللذّة ، وقد نصّ على هذا كما في تفسير الطبري (٤) (٢ / ٢٠٢).
وقال الجصّاص في أحكام القرآن (٥) (١ / ٣٨٠) : هذه الآية قد اقتضت تحريم الخمر ، لو لم يرد غيرها في تحريمها لكانت كافية مغنية ، وذلك لقوله : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) والإثم كلّه محرّم بقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ) فأخبر أنّ الإثم محرّم ولم يقتصر على إخباره بأنّ فيها إثماً حتى وصفه بأنّه كبير تأكيداً لحظرها. وقوله : (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) لا دلالة فيه على إباحتها ، لأنّ المراد منافع
__________________
(١) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه : ٨ / ٣٥٨ [رقم ٤٤٥٧] ، وحكاه عنه السيوطي في الدرّ المنثور : ١ / ٢٥٢ [١ / ٦٠٦]. (المؤلف)
(٢) الأعراف : ٣٣.
(٣) لسان العرب : ١٤ / ٢٧٢ [١ / ٧٥] ، تاج العروس : ٨ / ١٧٩. (المؤلف)
(٤) جامع البيان : مج ٢ / ج ٢ / ٣٥٩.
(٥) أحكام القرآن : ١ / ٣٢٢.