ولمّا علم الملك باجتماعها وتحقّق عدّتها قال لزميرة : أترى بقي في الأرض من كتب العلم ما لم يكن عندنا؟ فقال له زميرة : قد بقي في الدنيا شيء في السند والهند وفارس وجرجان والأرمان وبابل والموصل وعند الروم. فعجب الملك من ذلك وقال له : دُم على التحصيل ، فلم يزل على ذلك إلى أن مات. وهذه الكتب لم تزل محروسة محفوظة يراعيها كلّ من يلي الأمر من الملوك وأتباعهم إلى وقتنا هذا ، فاستكثر عمرو ما ذكره يحيى وعجب منه وقال له : لا يمكنني أن آمر بأمرٍ إلاّ بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب. وكتب إلى عمر وعرّفه بقول يحيى الذي ذكر ، واستأذنه ما الذي يصنعه فيها؟ فورد عليه كتاب عمر يقول فيه : وأمّا الكتب التي ذكرتها ؛ فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ، ففي كتاب الله عنه غنى ، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله تعالى ، فلا حاجة إليها فتقدّم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمّامات الإسكندرية وإحراقها في مواقدها ، وذكرت عدّة الحمامات يومئذٍ وأنسيتها ، فذكروا أنّها استنفدت في مدّة ستّة أشهر ، فاسمع ما جرى وأعجب. انتهى.
وفي فهرست ابن النديم المتوفّى (٣٨٥) إيعاز إلى تلك المكتبة المحروقة ، قال في صحيفة : (٣٣٤) (١) ، وحكى إسحاق الراهب في تاريخه أنّ بطولوماوس فيلادلفوس من ملوك الإسكندرية لمّا ملك فحص عن كتب العلم ، وولّى أمرها رجلاً يعرف بزميرة ، فجمع من ذلك على ما حكي أربعة وخمسين ألف كتاب ومائة وعشرين كتاباً. وقال له : أيّها الملك قد بقي في الدنيا شيء كثير في السند والهند وفارس وجرجان والأرمان وبابل والموصل وعند الروم. انتهى.
ومؤسّس تلك المكتبة هو بطليموس الأوّل ، وهو الذي بنى مدرسة الإسكندريّة المعروفة باسم الرواق ، وجمع فيها جميع علوم تلك الأزمان من فلسفة ورياضيّات وطبّ وحكمة وآداب وهيئة ، وكانت المدرسة توصل للقصر الملكي ،
__________________
(١) فهرست النديم : ص ٣٠١.