صورة مفصّلة :
وقال القاضي الأكرم جمال الدين أبو الحسن عليّ بن يوسف القفطي المتوفّى (٦٤٦) في كتابه تراجم الحكماء (١) المخطوط (٢) في ترجمة يحيى النحوي :
وعاش ـ يحيى النحوي ـ إلى أن فتح عمرو بن العاص مصر والإسكندرية ، ودخل على عمرو وقد عرف موضعه من العلم واعتقاده وما جرى له مع النصارى فأكرمه عمرو ورأى له موضعاً ، وسمع كلامه في إبطال التثليث ، فأعجبه وسمع كلامه أيضاً في انقضاء الدهر ، ففتن به وشاهد من حججه المنطقيّة ، وسمع من ألفاظه الفلسفيّة التي لم يكن للعرب بها أنسة ما هاله ، وكان عمرو عاقلاً ، حسن الاستماع ، صحيح الفكر ، فلازمه وكاد لا يفارقه ، ثمّ قال له يحيى يوماً : إنّك قد أحطت بحواصل الإسكندرية وختمت على كلّ الأجناس الموصوفة الموجودة بها ، فأمّا ما لك به انتفاع فلا أُعارضك فيه ، وأمّا ما لا نفع لكم به فنحن أولى به ، فأمر بالإفراج عنه. فقال له عمرو : وما الذي تحتاج إليه؟ قال : كتب الحكمة في الخزائن الملوكيّة ، وقد أوقعت الحوطة عليها ونحن محتاجون إليها ولا نفع لكم بها ، فقال له : ومن جمع هذه الكتب؟ وما قصّتها؟ فقال له يحيى : إن بطولوماوس فيلادلفوس من ملوك الإسكندرية لمّا ملك حبّب إليه العلم والعلماء ، وفحص عن كتب العلم وأمر بجمعها وأفرد لها خزائن فجمعت ، وولّى أمرها رجلاً يعرف بابن زمرة ـ زميرة ـ ، وتقدّم إليه بالاجتهاد في جمعها وتحصيلها والمبالغة في أثمانها وترغيب تجّارها ففعل ، واجتمع من ذلك في مدّة خمسون ألف كتاباً ومائة وعشرون كتاباً.
__________________
(١) تراجم الحكماء : ص ٣٥٤.
(٢) توجد نسخة في دار الكتب الخديويّة مكتوبة سنة ١١٩٧ ، كما في تاريخ التمدّن الإسلامي : ٣ / ٤٢ [مج ١١ / ٦٣٥]. (المؤلف)