الاستماع ، صحيح الفكر ، فلازمه وكان لا يفارقه.
ثمّ قال له يحيى يوماً : إنّك قد أحطت بحواصل الإسكندرية وختمت على كلّ الأصناف الموجودة بها ، فما لك به انتفاع فلا نعارضك فيه ، وما لا انتفاع لك به فنحن أولى به. فقال له عمرو : ما الذي تحتاج إليه؟ قال : كتب الحكمة التي في الخزائن الملوكيّة. فقال عمرو : هذا ما لا يمكنني أن آمر فيه إلاّ بعد استئذان أمير المؤمنين عمر ابن الخطّاب. فكتب إلى عمر وعرّفه قول يحيى ، فورد عليه كتاب عمر يقول فيه : وأمّا الكتب التي ذكرتها ؛ فإن كان فيها ما وافق كتاب الله ، ففي كتاب الله عنه غنى ، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجه إليه. فتقدّم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمّامات الإسكندرية وإحراقها في مواقدها فاستنفدت في مدّة ستّة أشهر ، فاسمع ما جرى وأعجب.
هذه الجملة من كلام الملطي ذكرها جرجي زيدان في تاريخ التمدّن الإسلامي (١) (٣ / ٤٠) برمّتها ، فقال في التعليق عليها : النسخة المطبوعة في مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت قد حذفت منها هذه الجملة كلّها لسبب لا نعلمه.
وقال عبد اللطيف البغدادي المتوفّى (٦٢٩) هجري في الإفادة والاعتبار (٢) (ص ٢٨) : رأيت أيضاً حول عمود السواري من هذه الأعمدة بقايا صالحة بعضها صحيح وبعضها مكسور ، ويظهر من حالها أنّها كانت مسقوفة والأعمدة تحمل السقف وعمود السواري عليه قبّة هو حاملها. وأرى أنّه الرواق الذي كان يدرس فيه أرسطوطاليس وشيعته من بعده ، وأنّه دار المعلّم التي بناها الإسكندر حين بنى مدينته ، وفيها كانت خزانة الكتب التي أحرقها عمرو بن العاص بإذن عمر رضى الله عنه.
__________________
(١) مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ التمدن الإسلامي : مج ١١ / ٦٣٥.
(٢) الإفادة والاعتبار : ص ١٣٢.