وأعطف على هذا أمره عمرو بن العاص بأن يبعث ولده على قتب في عباءة ، فدخل عليه ولم يستطع المشي من مركبه ، فإنّ كلّ ذلك إيذاء درأه الحدُّ ولم يبحه الشرع.
ثمّ لما ذا لم يكن له مرتدع عن تأجيل ما ارتآه من الحدِّ الجديد بمرضه ولم يرجئه حتى يبرأ؟ وهو حكم المريض المحدود في السنّة الشريفة.
وإن تعجب بعد ذلك كلّه فعجب قول ابن الجوزي في سيرة عمر (١) ؛ من أنّه لا ينبغي أن يُظنّ بعبد الرحمن بن عمر أنّه شرب الخمر ، وإنّما شرب النبيذ متأوّلاً وظنّ أنّ ما شرب منه لا يسكر ، وكذلك أبو سروعة ، وأبو سروعة من أهل بدر ، فلمّا خرج بهما الأمر إلى السكر طلبا التطهير بالحدّ ، وقد كان يكفيهما مجرّد الندم على التفريط غير أنّهما غضبا لله سبحانه على أنفسهما المفرّطة فأسلماها إلى إقامة الحدّ ، وأمّا كون عمر أعاد الضرب على ولده فليس ذلك حدّا وإنّما ضربه غضباً وتأديباً وإلاّ فالحدّ لا يكرّر. انتهى بلفظه.
وإن صحّت هذه المزعمة يُوجّه النقد إلى عمرو وعمر إن علما ذلك وإلى نفس المحدودين ، حيث عرضا أنفسهما على الحدّ من دون أي موجب له ، وكان يكفيهما الندم كما حسبه ابن الجوزي ، والحقّ أنّه لا حاجة إليه أيضاً لأنّهما لم يقترفا ذنباً بعد اعتقاد أنّه لا يسكر فلا توبة عنه ، وإن كان كامل الإيمان يتضجّر عن مثله. وعلى هذا فإنّهما لا يملكان لأنفسهما أن يعرضاها على هذا الإيلام الشديد والإضرار المؤلم إن لم يكن ذلك تشريعاً. لكن من أين أتت ابن الجوزي هذه الرؤيا الصادقة؟ فأراد تبرئة الرجلين ممّا اجترحاه من السيّئة مع اعترافهما بذلك بكلِّ صراحة ، فألقاهما في هوّة الإضرار بالنفس المحظور شرعاً ، والتشرّع في الدين المحرّم ، والكذب الصراح الذي هو من الكبائر ، وألحق بمن أقام الحدّ أوّلاً تبعة إقامته من دون موجب له ، والغضب
__________________
(١) تاريخ عمر بن الخطّاب : ص ٢١٥.