رواية مسلم فأقرّه صلىاللهعليهوآلهوسلم على سرد الصيام ، ولو كان مكروهاً لم يقرّه لا سيّما في السفر ، وقد ثبت عن ابن عمر بن الخطّاب أنّه كان يسرد الصيام ، وكذلك أبو طلحة وعائشة وخلائق من السلف قد ذكرت منهم جماعة في شرح المهذّب في باب صوم التطوّع وأجابوا عن حديث «لا صام من صام الأبد» بأجوبة أحدها : أنّه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيدين والتشريق ، وبهذا أجابت عائشة.
والثاني : أنّه محمول على من تضرّر به أو فوّت به حقّا ، ويؤيّده قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «فإنّك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر ونَم وقم ، وصم من الشهر ثلاثة أيّام فإنّ الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر». والنهي كان خطاباً لعبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد ذكر مسلم عنه أنّه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل الرخصة ، قالوا : فنهى ابن عمرو وكان لعلمه بأنّه سيعجز ، وأقرّ حمزة بن عمرو لعلمه بقدرته بلا ضرر.
والثالث : أنّ معنى «لا صام» أنّه يجد من مشقّته ما يجدها غيره ، فيكون خبراً لا دعاءً. إلى آخره.
وقال في شرح حديث : «صم يوماً وأفطر يوماً» : اختلف العلماء فيه ؛ فقال المتولّي من أصحابنا وغيره من العلماء : هو أفضل من السرد لظاهر هذا الحديث. وفي كلام غيره إشارة إلى تفضيل السرد ، وتخصيص هذا الحديث بعبد الله بن عمرو ومن في معناه ، وتقديره لا أفضل من هذا في حقّك ، ويؤيّد هذا أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم ينهَ حمزة بن عمرو عن السرد وأرشده إلى يوم ويوم ، ولو كان أفضل في حقّ كلّ الناس لأرشده إليه وبيّنه له ، فإنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. والله أعلم.
والباحث يجد كثيراً من هذه الكلمات في غضون التآليف لأئمّة الفقه وشرّاح الحديث ، وممّن يؤثر عنه صوم الدهر :