وتم بناء الجامع الجديد بباب الفتوح ، وعلّق على سائر أبوابه ستور ديبقية عملت له ، وعلّق فيه تنانير فضة عدّتها أربع وكثير من قناديل فضة ، وفرش جميعه بالحصر التي عملت له ، ونصب فيه المنبر ، وتكامل فرشه وتعليقه ، وأذن في ليلة الجمعة سادس شهر رمضان سنة ثلاث وأربعمائة لمن بات في الجامع الأزهر أن يمضوا إليه ، فمضوا وصار الناس طول ليلتهم يمشون من كلّ واحد من الجامعين إلى الآخر بغير مانع لهم ولا اعتراض من أحد من عسس القصر ، ولا أصحاب الطوف إلى الصبح ، وصلّى فيه الحاكم بأمر الله بالناس صلاة الجمعة ، وهي أوّل صلاة أُقيمت فيه بعد فراغه. (١)
ما ذكرنا من محاسن أعماله قد أخفاها أعداؤه ، وبدل ذلك فقد نالوا منه وأكثروا في ذمّه وذكر مساوئ أعماله ، حتى تجد انّ الذهبي قد بالغ في ذمّه ووصفه بقوله : « العبيدي ، المصري ، الرافضي بل الإسماعيلي الزنديق المدّعي الربوبية ».
ثمّ يقول في موضع آخر : وكان شيطاناً مريداً ، جباراً عنيداً ، كثير التلوّن ، سفاكاً للدماء ، خبيث النحلة ، عظيم المكر ، جواداً ممدحاً ، له شأن عجيب ونبأ غريب ، كان فرعون زمانه ، يخترع كلّ وقت أحكاماً يلزم الرعية بها إلى آخر ما ذكر. (٢)
وعلى أيّ حال فهو من الشخصيات القلقة التي تجمع بين محاسن الأعمال ومساوئها.
ولولا انّ الحاكم كان من الشيعة لما وجد الذهبي السلفي في نفسه مبرراً لصب هذه التقريعات.
وقد اكتفينا بذلك في ترجمته ، لأنّ فيها أُموراً متناقضة ومتضادة لا يمكن الإذعان بصحّة واحد منها.
______________________
١. المقريزي : الخطط : ٢ / ٢٧٧ ، دار صادر.
٢. الذهبي : سير أعلام النبلاء : ١٥ / ١٧٤.