الأندلسي ممتزجا بالخط المغربي ذهب الاعتناء «على ما يظهر من تصفح كتب العلوم» بإتقان الخط بصفة عامة. والخصيصيون في كل عصر بجودة الخط لا كلام عليهم.
والخطوط كاللغات واللبوس ، لكل قطر طريقة خاصة به في رسم القلم ونطق اللسان وزي اللباس ، ولها أدوار في الرقي وأطوار في الانحطاط. ومن أمعن النظر وجد من الفرق أيضا بين الأفراد ما يعرف به حديث زيد من حديث عمرو من وراء حجاب ، ويعلم أيهما على بعد من سحنة اللباس ، ويميز بين خطيهما من غير كثير اشتباه. قال ابن خلدون ما مضمونه : لما جاء الملك للعرب واحتاجت الدولة إلى الكتابة استعملوا الخط وتعلموه فترقت الإجادة فيه وبلغ في الكوفة والبصرة رتبة من الإتقان ، إلا أنها كانت دون الغاية ، والخط الكوفي معروف الرسم لهذا العهد. وكان الخط البغدادي معروف الرسم وتبعه الإفريقي المعروف رسمه القديم لهذا العهد ، ويقرب من أوضاع الخط المشرقي وتحيز ملك الأندلس بالأمويين فتميز صنف خطهم الأندلسي كما هو معروف الرسم لهذا العهد ، ولما انتشروا في عدوة المغرب وإفريقية من لدن الدولة اللمتونية وتعلقوا بأذيال الدولة غلب خطهم على الخط الإفريقي وعفا عليه ، ونسي خط القيروان والمهدية بنسيان عوائدهما وصنائعهما ، وصارت خطوط أهل إفريقية كلها على الرسم الأندلسي بتونس. ثم صارت الخطوط بإفريقية والمغربين مائلة إلى الرداءة بعيدة عن الجودة ، وصارت الكتب إذا انتسخت فلا فائدة تحصل لمتصفحها منها إلّا العناء والمشقة لكثرة ما يقع فيها من الفساد والتصحيف وتغيير الأشكال الخطية عن الجودة حتى لا تكاد تقرأ إلّا بعد عسر.
قلت : أما الخط الإفريقي فهو بلا شك مثل خط المعز بن باديس في أواسط القرن الخامس الذي تكلمنا عليه في المقدمة بدور التغلب والاستيلاء وهو يشبه المشرقي ، وذلك الزمن هو الذي ضجت فيه بالقيروان العلوم والصنائع التي منها الخط كما كان بالقيروان في ذلك العهد الخط المشرقي والخط الكوفي حسبما ذلك على ظاهر مصحف حاضنة باديس عام ٤١٠ ، وخط النسخ لكتب العلوم ، وهذا أقوى برهان على غاية رقي العمران. ومنتهى جودة الصناعة بالقيروان. أما في عصر الأغالبة بالقرن الثالث قبل الصنهاجيين والعبيديين فالخط النسخي الإفريقي غير القيرواني الذي منه خط المعز في القرن الخامس على معنى أن السابق أبسط ، شأن الترقي والإتقان في