الصناعات ، يتبين لك ذلك مما على ظاهر مصحف مؤرخ بأواخر القرن الثالث كتبت بخطها تحبيسه فضل مولاة أبي أيوب عام ٢٩٥ ـ ومنه أجزاء بالمكتبة العتيقة من جامع القيروان.
وللقيرواني : سئل بعض الكتاب عن الخط متى يوصف بالجودة قال : إذا اعتدلت أقسامه وطالت ألفه ولامه. واستقامت سطوره ، وضاهى صعوده حدوره ، وتفتحت عيونه ، ولم تشتبه راؤه ونونه ، وأشرق قرطاسه ، وأظلمت أنقاسه ، ولم تختلف أجناسه ، وأسرع إلى العيون تصوره ، وإلى العقول تثمره ، وقدرت فصوله ، واندمجت أصوله ، وتناسب دقيقه وجليله ، وخرج من نمط الوراقين ، وبعد عن تصنع المحبرين ، وقام لصاحبه مقام النسبة والحلية.
قلت والآن صار للخط التونسي طريقة خاصة تجيدها أنامل بعض الكتاب وتحكم أشكالها الجميلة ، وبالقيروان شهرة لخط الموثق صديقنا الفاضل السيد الحاج علي بن عبيد الغرياني. ولعدة عائلات بالقيروان أساليب حسنة في الخط تتوارثها الأبناء من الآباء ، وتتميز طريقة كل عائلة عما سواها ، يرجع الخبير المتأمل بكل نوع منها إلى مصادره. ولبعض الناس براعة في معرفة خط كل كاتب ممن سبقت له مشاهدة خطوطهم لحسن الحافظة وجودة التأمل.
وأعرف من بعض النبهاء بالقيروان فراسة يستجلي بها صفات الكتاب ويتوسم في أخلاقهم وطباعهم بمجرد النظر في خطوطهم فقط وبدون سابقية علم بأحوالهم ولا رؤية ذواتهم. واستحكمت منه هاته الخصيصية حتى تساوت في نظر فراسته الخطوط العربية والفرنساوية الي برز في لغتها. والعرب من قديم «والقيروان عربية التأسيس والسكان» لهم نباهة في الفراسة والقيافة والعيافة ، ينقلون عنهم فيها أخبارا غريبة ونوادر عجيبة. والدهر لم يبخل على القيروان بالنابغين في عموم الأجيال مثلما لم يشح نبغاء هاته البلدة على المملكة بجلائل الأعمال.
وممن لهم جودة النظر في تتبع الأثر بعمل القيروان السيد بلقاسم الشريف يلجأ إليه عند الحاجة فيقتفي أثر الحيوان مسافات بعيدة حتى يتجلى الأمر فيه. وفي عرش أولاد يدير جنوب القيروان محمد بن صالح الذويبي ، له نظر حاد في رؤية ما تحت الأرض من آبار للأول ، وهي كثيرة في القطر من عمران من قبلنا الذين أثاروا الأرض