القاضي الفاضل كان بها ذا سمعة وجلالة ووجاهة تقارب الصحبة بل الأخوة مع صلاح الدين الأيوبي صاحب المنزلة المعروفة في جلايل الأعمال وإكرام الرجال.
والقيروان الآن فخرها بقاضيها المتفنن ، وجذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، الشيخ سيدي محمد العلاني الأنصاري. حدث ما شئت عنه في الأخلاق والرفق والتبصر. وقالوا من قديم فيما فاقت به مدينة قرطبة غيرها من العواصم :
بأربع فاقت الأمصار قرطبة |
|
منهن قنطرة الوادي وجامعها |
هاذان ثنتان والزهراء ثالثة |
|
والعلم أنفع شيء وهو رابعها |
ففي الأربعة ثلاثة من نوع البناء أيضا والرابعة هي العلم ، وقد فازت بقصب السبق عن مدينة قرطبة لهاته الخصال الفاخرة مدينة القيروان بأجيال وأكثر من مائة عام حيث لم توجد الزهراء بالأندلس إلّا على عهد الناصر ٣٠٠ ـ ٣٥٠.
وكانت الإشارة في تنابر البوسطة إلى دولة الحماية التي لها في المملكة نحو جيل من سنة ١٢٩٨ ه ـ ١٨٨١ م بفلاح عربي وبجانبه فرنساوي يشقان الأرض لبذر الحبوب التي بها الحياة المادية ، وإشارة إلى أن انتفاع سكان المملكة الواحدة كالعائلة الواحدة لا يكون إلا بالاتحاد والتشريك حتى في طرق الاقتصاد. وخلاصة ما يستفاد في الحال والاستقبال من ذلك الرمز أن الأمة التونسية لما باتت فقيرة ماديا وأدبيا أصبحت دولة الحماية معلمة لها ومعينة على طرق الحياة وهو عمل كبير وأثر بالاعتبار جدير. ولم يوضع لدور البربر رمز ولا ذكر لدولة الفاندال أثر ، ولعل ذلك لكون الأمة الأولى ساذجة محكومة والثانية مغتصبة سفاكة. وإحياء الذكر أو الذكر الحي إنما يكون لأصحاب الأعمال المفيدة ، والتدابير السديدة :
إنما المرء حديث بعده |
|
فكن حديثا حسنا لمن وعى |
والعائلات والأمم كالأفراد بل لا يقام للعائلات شأن ولا للأمة ذكر إلّا ببعض