نهر الأردن ، بإمرة والي دمشق ، عبد الله باشا ، وأنه انقسم إلى رتلين ، أحدهما تقدم في اتجاه صفد ، والآخر احتل طبرية ، وهو يتقدم في اتجاه الناصرة ، سارع نابليون إلى مواجهة هذا الجيش بعيدا عن عكا. وفي الصدامات الأولى ، قبل أن يحشد نابليون قواته ، حقق العثمانيون انتصارات تكتيكية ، كما حدث في لوبية وغيرها. وسحب نابليون جزءا كبيرا من قواته التي تحاصر عكا ، وتوجه هو بنفسه إلى نجدة حاميتي الناصرة وصفد ، اللتين أحدق بهما خطر الهزيمة أمام الجيش العثماني الكبير. والتقى الجيشان في معركة حاسمة في مرج ابن عامر ، بين جبل طابور والفولة ، وانتصر نابليون بفضل مدفعيته الثقيلة ، وتراجع العثمانيون واستعاد الفرنسيون صفد ، واحتلوا طبرية ، ونهبوا وأحرقوا عددا من البلدان ـ الفولة ونورس وجنين وغيرها.
وعاد نابليون لتضييق الحصار على عكا ، وحاول اختراق أسوارها المرة تلو الأخرى (سبع مرات) ، ولكن من دون جدوى. وفي الهجمات الفرنسية والأخرى المضادة من عساكر الجزار ، وقعت إصابات كثيرة في الطرفين ، ولكن عكا لم تكن على وشك السقوط. وعاد الطاعون للانتشار في جيش نابليون ، فقرر الانسحاب والعودة إلى مصر. وفي طريقه قافلا إليها ، تعرض جيشه لهجمات متتالية من جماعات محلية مسلحة ، وردّ عليها الفرنسيون بتخريب القرى والمدن وأعمال النهب وفرض الغرامات. وترك نابليون وراءه بضع مئات من الجرحى والمرضى برعاية زعماء محليين ، محتفظا لديه برهائن من أقارب هؤلاء. ويقدر عدد الإصابات في جيش نابليون في أثناء الحملة على فلسطين بنحو النصف ، من مجموع ٠٠٠ ، ١٢ جندي ، بين قتيل وجريح ومريض. وما عدا أعمال التخريب والنهب والقتل ، ودرء الهجوم العثماني على مصر ، فإن الحملة كانت فاشلة بكل المعايير ، حتى التكتيكية منها ـ إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحملة العامة على مصر ، في إطار الصراع مع بريطانيا ، والعمل على قطع طرق مواصلاتها مع الهند والشرق الأقصى.
وبعد عودته إلى مصر ، أيقن نابليون بعدم جدوى بقائه هناك. فالأحلام التي راودته في بداية الحملة تبخرت ، سواء ما يتعلق بفرنسا أو به شخصيا. والأنباء التي راحت تتوارد عليه عن التطورات في باريس لا تبشر بالخير له ، فقرّر العودة إلى فرنسا ، وانسلّ نابليون سرّا إلى فرنسا ، تاركا جيشه في مصر بقيادة الجنرال كليبر (١٧٩٩ م). وظل هذا الجيش في مصر إلى أن هزمه الإنكليز (١٨٠١ م) ، وأعادوا مصر إلى السلطان العثماني. وبذلك انتهت مغامرة نابليون هذه ، من دون نتائج مباشرة لفرنسا ، أو لنابليون نفسه ، لكنها فتحت عهدا جديدا من النشاط الأوروبي في الشرق الأوسط ، كان انعكاسا مباشرا للتطورات السياسية في أوروبا ، وللتحالفات التي