العسلي. لكن يوسف سرسق ، مالك الأرض ، استطاع بالرشاوى إبعاد العسلي من فلسطين ، ونقله من موقعه ، ليتسنى له تنفيذ الصفقة الكبيرة. وهكذا فعل آخرون من الملاكين الغائبين ، الذي وضعوا أيديهم على الأرض في فترة التنظيمات بأساليب متعددة من الاحتيال على الفلاحين ، والتآمر مع الموظفين الأتراك الفاسدين.
ثالثا : وعد بلفور
لم يجد المؤرخ الكبير أرنولد توينبي مناصا من إدانة بلاده على تقديم «وعد بلفور» للحركة الصهيونية ، معلنا أنه كإنكليزي يشعر بالخجل والندم الشديدين على ازدواجية المعايير الأخلاقية التي حكمت سلوك حكومة بلاده في الإقدام على هذه الفعلة المنكرة. (١) فقد قام وزير خارجية إنكلترا في أثناء الحرب العالمية الأولى اللورد آرثر جيمس بلفور ، بتقديم الوعد الذي حمل اسمه ، نيابة عن حكومته ، والذي تتعهد به العمل على إقامة «وطن قومي» لليهود في فلسطين. وذلك في رسالة وجهها إلى اللورد اليهودي الصهيوني ليونيل روتشيلد ، في ٢ تشرين الثاني / نوفمبر ١٩١٧ م ، طالبا منه إبلاغ مضمونها إلى قيادة الحركة الصهيونية. وقد جاء هذا الوعد البريطاني تتويجا لمرحلة طويلة من العمل الصهيوني للحصول على البراءة الدولية للاستيطان في فلسطين ، كما كان فاتحة عهد جديد من الصراع بشأنها ، بين دعاة هذا الاستيطان وأعوانه ، وبين الشعب الفلسطيني والأمة العربية وأصدقائهما ، لا يزال مستمرا ، في صيغة أو في أخرى حتى يومنا هذا (١٩٩٦ م).
لكن وعد بلفور لم يكن الخديعة المزدوجة الوحيدة التي قامت بها بريطانيا بالنسبة إلى فلسطين والأمة العربية ، قبل الحرب العالمية الأولى ، وفي أثنائها وبعدها. فقد عمدت حكومتها إلى الخداع في محادثات مكماهون ـ الشريف حسين ، وكذلك في اتفاق سايكس ـ بيكو ، وإلى المناورة في مؤتمرات السلام التي انعقدت بعد الحرب. ومهما كانت الحجج والذرائع التي ساقتها بريطانيا ، فالحقيقة الساطعة تبقى أن الاستيطان الصهيوني ثبّت أقدامه في فلسطين تحت انتدابها ، وفي حماية جيوشها. وعلى أية حال ، فقد سبق بلفور بالدعوة إلى توطين اليهود في فلسطين وزيران بريطانيان آخران ، شافتسبري وبالمرستون ، منذ أيام حملة محمد علي. وفي الفترة نفسها ، قام رئيس بلدية لندن ، اللورد اليهودي مونتفيوري ، بزيارة لفلسطين ، عرج خلالها على مصر ، وطرح على محمد علي «استئجار الجليل» ، لإقامة استيطان
__________________
(٤) Robert John Sami Hadawi, The Palestine Diary) Beirut, ٠٧٩١ (, Vol. I, p. XV.