فلسطين تحت الانتداب البريطاني المباشر ، لتسليمها للحركة الصهيونية في الوقت الملائم ، بل وضعتها تحت إدارة دولية. وكان وايزمن يستشعر حرج الإدارة الأميركية في تبني موقف حكومة بريطانيا بشأن فلسطين ، من دون أن تكون واشنطن في حالة حرب مع تركيا ، ومن دون أن تكون شريكة في الاتفاقات السرية التي تمّ التوصل إليها بين فرنسا وبريطانيا (اتفاقية سايكس ـ بيكو).
وزاد في حرج الرئيس الأميركي ، ولسون ، دعمه لمضمون وعد بلفور ، في حين انتشرت أصداء إعلانه مبادئه بشأن «تقرير المصير» للشعوب الواقعة تحت الاحتلال الأجنبي. وبعد احتلال الجزء الجنوبي من فلسطين ، قرر وايزمن القيام بزيارة لها ، تمهيدا لإقامة هيئة صهيونية فيها ، تؤمن تجسيد وعد بلفور ، لكن الإدارة العسكرية البريطانية لم تستجب لطلبه. وحثّ وايزمن براندايس على العمل على توفير الدعم الأميركي لوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني ، فرد براندايس مؤكدا أن الأوضاع الدولية الحالية لا تسمح بذلك. ولتمرير عملية الخداع الكبرى ، التقى وايزمن بفيصل بن الحسين في العقبة في أيار / مايو ١٩١٨ م لتطمينه من أن الأهداف الصهيونية في فلسطين لا تشكل خطرا على الدولة العربية المزمع إقامتها. وفي الواقع ، وبعد الحرب ، ومن خلال المفاوضات على الترتيبات اللاحقة ، استطاع قادة العمل الصهيوني تحقيق أغراضهم ، سواء في انقلاب الحلفاء على الوعود التي قطعوها للقوى العربية التي ناصرتهم ، أو في تجنيد الدعم الأميركي لمساعيهم في تمهيد الطريق أمام تجسيد وعد بلفور ، عبر وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني.
ج) النشاط الصهيوني العسكري في الحرب
إن النشاط الصهيوني خلال الحرب لم يتوقف عند حدود العمل السياسي والدبلوماسي ، بل تعداه إلى العسكري والتجسّسي. فمع اندلاع الحرب ، وانقسام أوروبا إلى معسكرين ، توقف انعقاد المؤتمر الصهيوني ، وبالتالي فقدت القيادة الصهيونية وحدة القرار والعمل. وتحرك منظّر «الصهيونية التنقيحية» اليمينية ، زئيف جابوتنسكي ، لتجنيد ما سماه «الكتائب العبرية» ، لاقتناعه بأن المشروع الصهيوني في فلسطين لن يرى النور إلّا بتفكيك السلطنة العثمانية ، وانتصار الحلفاء في الحرب. وفي سنة ١٩١٤ م ، سافر إلى مصر ، وبدأ تنظيم بعض المستوطنين الذين هربوا من فلسطين إليها. واستعان بالضابط اليهودي الفارّ من الجيش الروسي القيصري ، جوزف ترومبلدور الذي قدم بدوره إلى مصر ليعرض خدماته على الجيش البريطاني في جبهة قناة السويس. ولما قوبل العرض ببرودة شديدة ، عمد ترومبلدور وجابوتنسكي إلى