الفصل الرابع
العصور الوسطى
أولا : الفتح العربي
تبعا لبعض المفاهيم المتداولة للدلالة على المصطلحات والتسميات في العصر الحديث ، يمكن القول إن علاقة العرب بفلسطين قديمة قدم التاريخ. فقد ورد ذكرهم في نقوش بابلية من أيام نارام سين الأكادي ، الذي يذكر أنه غزا فلسطين ، وحارب قبائل عربية في جنوبها ، نحو سنة ٢٢٥٠ ق. م. لكن إطلاق الكنية «عرب» على جماعات بدوية من قبل أهل الحضر شيء ، ووعي هذه الجماعات لذاتها كجزء من «أمة» شيء آخر. وإسقاطات الحاضر على الماضي لا تساعد على التوضيح بقدر ما تدخل الأمور في متاهات لا طائل فيها. والأكيد أن الوعي العربي للذات تشكّل عبر قرون طويلة ، تحت حكم الإمبراطوريات الكبرى التي قامت في الشرق الأدنى القديم. ولكن هذا الوعي الذاتي بالانتماء تبلور مع ظهور الإسلام وانتشاره ، إذ تميّز العرب ، كحملة لواء الإسلام والدعوة إليه ، عن غيرهم من الشعوب التي دخلت فيه عبر الفتوحات.
وكان الفتح العربي ، بمعنى من المعاني ، تتويجا لمسار طويل من الهجرات العربية التي انطلقت من الجزيرة ، جنوبها أو شمالها ، واستقرت في بلاد الشام. لكنها لم تكن تحمل رسالة دينية. وحتى لو استثنينا الهجرات القديمة جدا ، والتي صارت تعرف باسم «الهجرات السامية» ـ الشرقية أو الغربية ، وكذلك العبرانيين (الأدوميين والمؤابيين والعمونيين ، والإسرائيليين وغيرهم) ، فالوثائق التاريخية تشير إلى أن الممالك العربية الثلاث القوية ـ البتراء وتدمر والجابية (عاصمة بني غسان في الجولان) ـ كانت لها علاقة قوية بفلسطين. وكذلك فالوثائق المصرية والعراقية ، كما التوراة ، تشير إلى قيام وحدات سياسية عربية ، كانت على علاقة بفلسطين ، بصورة أو بأخرى ، منذ الألف الأول قبل الميلاد. هذا إضافة طبعا إلى العدد الكبير من القبائل العربية التي حطت عصا ترحالها في فلسطين وجوارها خلال العصور.
ففي البتراء قامت وازدهرت مملكة الأنباط ، التي وصلت ذروة قوتها العسكرية والاقتصادية ، في القرن الأول الميلادي. وكانت حليفة للرومان ، وقامت بدور دفاعي