المشاركين البارزين في تركيا الفتاة. وبفعله سار الإخاء العربي ـ العثماني في ركاب تركيا الفتاة. ودعا إلى توحيد السلطنة على قاعدة «الجامعة العثمانية» ، التي تقول بوجود «أمة عثمانية» ، تضم عددا من «الملل» و «الأمة العربية» واحدة منها. وجرى التخلي عن المطالبة بالاستقلال العربي ، أو بالحكم الذاتي على الأقل. واعتبر الإخاء العربي ـ العثماني مهمته الرئيسية مساعدة تركيا الفتاة على تسيير أمور الدولة. وتقصلت مطالبه إلى المساواة بين القوميات ونشر الثقافة واللغة العربيتين والمحافظة على العادات والتقاليد. وبارتباطه بتركيا الفتاة ، فقد الإخاء العربي ـ العثماني قاعدته الشعبية ، وخصوصا بعد انكفاء قادة الثورة عن مواقفهم السابقة بشأن حقوق القوميات في السلطنة لدى تسلمهم زمام السلطة.
وخاب أمل القوميين العرب من تركيا الفتاة في الانتخابات البرلمانية التي جرت تحت إشرافها (١٩٠٨ م) ، إذ إنها في برنامجها ، كما في سلوكها ، تجاهلت التعهدات التي قطعتها على نفسها إزاء حركات التحرر قبل تسلمها السلطة في إستنبول. فإضافة إلى أن تمثيل العرب في البرلمان لم يكن متوازيا مع نسبتهم سكانيا داخل السلطنة ، لم يكن المرشحون معبرين حقيقيين عن تطلعات قطاعات الشعب العربي الواسعة. والنواب المنتخبون كانوا أكثر حرصا على مسايرة تركيا الفتاة من طرح قضايا الناس الذين يفترض أنهم يمثلونهم. وانحاز الكثيرون من الإقطاعيين العرب ، وكذلك بعض القوميين الذين خابت آمالهم من تركيا الفتاة إلى حزب الأحرار ، الذي يمثل ملاكي الأراضي وأصحاب رؤوس الأموال. وتعاون هذا الحزب مع السلطان عبد الحميد للقيام بانقلاب مضاد على حكومة تركيا الفتاة ، واندلع القتال في الشوارع ، وقتل فيه محمد أرسلان ، أحد أقطاب الإخاء العربي ـ العثماني. لكن ضباط تركيا الفتاة ، محمود شوكت ومصطفى كمال وغيرهما ، استطاعوا إنقاذ الموقف بعمل عسكري سريع وحازم ، وخلعوا السلطان عبد الحميد ، وعينوا مكانه محمد الخامس رشاد سلطانا اسميا فقط.
وبعد سحق الانقلاب المضاد ، استأثر قادة تركيا الفتاة بالسلطة ، وشكلوا حكومة بأنفسهم ، وتخلوا عن تحالفاتهم السابقة ، واتجهوا إلى التصالح مع المحافظين ، من جهة ، وإلى تبني الطروحات الشوفينية بشأن القومية التركية من جهة أخرى. وفتحوا المعركة مع الحركات الثورية التي تحالفوا معها سابقا ، كما تراجعوا عن مواقفهم السابقة بشأن ملكية الأراضي ، فتركوها بأيدي الإقطاعيين ، وامتنعوا من إصلاح النظام الضريبي لمصلحة الفلاحين ، وسنّوا «قانون الإضراب» ضد العمال (١٩١٠ م). وفي السياسة الخارجية ، دخلوا في «لعبة الدول الأوروبية» ، وشجعوا العلاقات مع ألمانيا ،