عن أمور دينية ، وإحدى الصور التي تصف عصفورا طويل الذنب ، لها قيمة فنية كبيرة ، في حين تمثل واحدة أخرى نجما ، بينما تقدم الثالثة مشهدا دينيا لمعبود جالس ، وأمامه أشخاص واقفون ، يؤدون الطاعة والولاء. كما وجدت في تليلات الغسول نواويس فخارية ، دفن فيها الموتى داخل المنطقة السكنية ، أو تحت مصاطب البيوت ، وكانت كما يبدو ، على صورة بيت سكني. وكشفت الحفريات الأخيرة عن غرفة كبيرة مستطيلة الشكل ، يعتقد أنها كانت معبدا.
وفي غور الأردن ، وعلى جانبيه ، مواقع كثيرة تضاهي تليلات الغسول حجما ، وهي تعود في أغلبيتها إلى هذا العصر ، وما قبله ـ النيوليت الأخير ـ الذي مهد له. وقد بنيت على العموم قريبا من مصادر المياه ، كالسيول والينابيع والأودية ، الممتدة بين بحيرة طبرية شمالا والبحر الميت جنوبا. أمّا في وادي عربة ، فقد أقيمت المواقع بالقرب من مناجم النحاس ، واشتغل باستخراجه ، كما هو الحال في خربتي أفدان وأفنان وغيرهما. ويتضح من ذلك أن أغلبية مستوطنات الشمال ، المتأثرة بالحضارات السورية ، اشتغلت بالزراعة ، كما تشير إلى ذلك أيضا الأدوات الصوانية التي وجدت بأعداد كبيرة في هذه المواقع.
ويمثل تل الفارعة ، بالقرب من نابلس ، الموقع النموذج للاستيطان الكالكوليتي في سلسلة الجبال الوسطى ، إذ كشفت التنقيبات عن استمرارية من عصر النيوليت ، وحتى عصر البرونز ـ عصر بناء المدن. وكذلك الحال بالنسبة إلى مجدّو (تل المتسلم) في مرج ابن عامر وبيسان وغيرهما. وليس واضحا كيف انتهت حضارات الكالكوليت في شمال فلسطين ، ولكن تظهر في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد ، وعشية عصر البرونز المبكر ، تأثيرات شمالية ، أدّت في النهاية إلى قيام حضارات مادية جديدة. وإذ لم تمت الحضارة القديمة بين ليلة وضحاها ، فالأكيد أنها امتزجت بحضارات جديدة ، وشكلت معها عصر البرونز المبكر ـ عصر بناء المدن.
أمّا في الجنوب فتحتل منطقة بئر السبع أهمية خاصة ، نظرا إلى طبيعة المستوطنات وأساس اقتصادها ، إذ إنها ليست في العادة قريبة من مصادر المياه ، وبناء عليه ، يعتقد الباحثون أن السكان زرعوا القمح والشعير في موسم الشتاء ، واشتغلوا بالرعي في مناطق البادية ، فضلا عن استخراج النحاس من وادي عربة ، كما يبدو. وقد وجدت في مواقع بئر السبع : خربة البيطار وبئر الصفدي وتل أبو مطر ، دلائل واضحة على تصنيع النحاس من أدوات وأفران. كما عثر في موقع بئر الصفدي على عدد كبير من الدمى والتماثيل المصنوعة من العاج ، وهي تعتبر من أقدم العاجيات المصنعة في الشرق الأدنى القديم ، إضافة إلى الحلى النحاسية ، وكلها معدّة