مثل هذه الأحوال من رجال الإسلام الموكول إليهم أمر الأمة قد أوسع للطعن أشداقا ، وللنظر بالازدراء أحداقا ، وصار الأوربيون يقولون لنا : أنتم لا تعرفون إلا التخريب ، وليس لكم حظّ من العمران ، ولا من سداد الإدارة ، وما الإدارة عندكم إلا فوضى ، وبينكم وبين النظام ما بين المشرق والمغرب ، إلى غير هذا من المثالب.
وكذلك انهال أكثرهم بالطعن على الإسلام نفسه ، يقولون فيه : لو كان خيرا لكان أهله قد أثّلوا مدنية ، ووفّقوا إلى حضارة حقيقية ، والشجرة إنما تعرف من ثمارها.
ولم ينفرد بهذا القول الضابط الإفرنسي سيكار ، ولا اليسوعي لامنس ، ممن نشرنا كلامهم في «مجلة المنار» مردودا عليه بالبراهين الساطعة ، والحجج الدامغة ، التي أجبرت سيكار نفسه أن يعترف بأهميتها ، ولكن تشدّق بهذا الكلام كثيرون من علماء الإفرنج ومؤلفيهم ، وزعموا أنّ الإسلام والمدنية هما على طرفي نقيض ، حتى قالوا : إنّ المدنية التي يقال لها في التاريخ : المدنية الإسلامية ، لم يكن منها شيء من علم المسلمين ، وكابروا في هذه القضية المحسوس ، وأنكروا بدائه الأمور ، وكلّ هذا من أجل أنّهم أدركوا أعمال هؤلاء الظلمة الخاسرين من أولياء أمور الإسلام ، وساحوا في بلاد المسلمين ، فوجدوا الغربان تنعق في الأماكن التي كانت معمورة في القديم بملايين البشر ، ووجدوا الآثار الجميلة الباقية من الماضي أشبه بواحات في وسط صحارى من القذارة والشناعة والغبرة ، ووجدوا الطرقات لا يكاد السالك يسلكها من الدعارة (١) وفقد الأمنة ، ووجدوا شوارع المدن لا يقدر السائر فيها أن يسير إلا محوّلا نظره ، سادا أنفه من كثرة ما فيها من الأوضار
__________________
(١) [الفساد].