والأوساخ ، ووجدوا القني مقطّعة ، والآبار معطّلة ، والقصور غير مشيّدة ، والقناطر مهدّمة مبعثرة.
ونحن وجدنا هذه المرة في تسيارنا في جبال الحجاز ـ فضلا عما نعرف من غيرها من بلداننا ـ من آثار العمران الدارسة ، والسدود الداثرة ، والقنوات المنقورة في الصخور ، المنقطعة عنها المياه الجارية ، ما لا يكاد يأخذه الإحصاء ، ورأينا منها شيئا كثيرا ليس ترميمه بالأمر المعجز ، مع شدة ضرورته ، وقضينا العجب من إهمال الولاة الغابرين إياه ، وتهاونهم بعمارة البلاد إلى هذا الحد ، كأنّ البلاد بلاد أعدائهم (١).
فمن أجل ذلك فسحنا مكانا واسعا في كتابنا هذا لابن كريز ، وزبيدة العباسية ، والوزير الموصلي جمال الدين الجواد ، ومن في ضربهم من رجالات العمران ، وبناة المدنية ، ونمثلها لهم بقول المعري :
جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم |
|
بعد الممات جمال الكتب والسّير |
وإذا كان قد جرى ذكر المنازل في الفلوات ، فسنأتي على أخبار أخرى لطيفة من هذا الموضوع ، لا تضيق بها رسالة «الارتسامات اللطاف» بل تكون بالعكس وشيا لطرازها.
__________________
(١) وقد حبّس المسلمون المتقدمون على الحرمين الشريفين من الأوقاف الكثيرة في كلّ قطر ما يكفي لجعل الحجاز أعظم بلاد الله عمرانا ، وقد أكل المسلمون أكثر تلك الأوقاف ، ولا يزال المعروف منها يكفي لعمران الحجاز ، ولكن يحول دون وصوله حكامهم الظالمون ، وأعداؤهم الكافرون ، الذين استولوا على أكثر بلاد المسلمين.