عن نفسه ، حتى يجتمع في يده خمسون جنيها ، يدّخرها للحج ، فهو يحسب مصروفه منها بالقرش الواحد ، وبديهي أن مثل هذا المستور لا يمكنه أن يغدق نعما على المطوّف أو المزوّر ، وأنّ حالة هذا أشبه بمثل قد سمعته من عامي ظريف في أيام الدولة العثمانية : مثل طاقم العسكري لا ينشقّ من محل إلا ظهر جلده.
ومما يؤسف له أنّ ثلاثين في المئة من الحجاج ـ وربما أزيد ـ فقراء معدمون ، لا يستطيعون في الحقيقة إلى البيت سبيلا ، وليست عليهم فريضة حجّ ، ولكنهم يحمّلون أنفسهم إصرا لا قبل لهم به ، فيعيشون من أكياس رفاقهم ، ومن أكياس أهل الحجاز ، وقد يصيرون عالة على المطوّفين أنفسهم.
فإذا صحّ من هذه المقالة بحقّ المطوفين قيراط أو قيراطان ، فالاثنان والعشرون قيراطا الباقية أقاويل تزييف على المطوفين ، وتزوير على المزورين.
المطوّف يكاد يكون كالجمل في الحج ، لا يستطاع الحجّ بدونه ، يأتي إلى السفينة بمجرد أن تلقي أنجرها في بحر جدة ، فيأخذ حاجّه بيده ، ويضع له حوائجه في الزورق ، ويأتي به إلى الميناء ، ويخرجه إلى البرّ ، ويخلّص له معاملة تذكرة المرور ، ومعاملة المكس ، وليستا بالشيء الهين ، نظرا للزحام ، ولما يجب على إدارة التذاكر وإدارة الجمرك من التدقيق.
ثم إذا أراد الحاج أن يستريح في جدة بيّته المطوّف فيها ، وأركبه ثاني يوم جملا في شقدف ، وسار به وبغيره من أمثاله ، وقد حمل لهم زادهم وماءهم وكلّ شيء يلزم لهم ، وأوصلهم إلى مكة وافرين آمنين ، وأنزلهم في منزله مكرّمين ، وقبل أن صارت الأمنة على ما هي عليه الآن بحول الله ، ثم بابن سعود (إخواننا النجديون لا يجيزون في مقام كهذا