ولكن لا ينكر أيضا أنّ كثيرا من الحجاج قد يتعذّر عليه دفع الجنيه الواحد ، أو لا يبقى في يده شيء عند الأوبة إلا ما يكفيه لأجل الوصول إلى وطنه ، أو يقع العجز في بودجته (١) الضئيلة من أصلها ، فتجد المطوّف قد حرم مع حاجّ كهذا نتيجة تعبه ، ورضي بنصف جنيه بدلا من جنيه ، وقد يضطر إلى أن لا يأخذ من حاجّه شيئا.
وقد وقع لمطوفين أن أدّوا إلى حجّاج معدمين من صلب مالهم ، وكثير من أهل مكة من يضطرون إلى سدّ عوز بعض الحجاج ، ويؤدون إلى هذا ما كانوا استفادوه من ذلك ، وكان ينبغي للحكومات أن تمنع الفقراء من الحج (٢) ، وتأخذ من كلّ حاجّ رهائن كما يفعل بعضهم ، وذلك لأنّ غير المستطيع ليس عليه حجّ ، ولأنّ غير المستطيع يصير وقرا على غيره في الحج ، فيعجز الآخرين الذين رتبوا زادهم على قدر احتياجهم ، ولم يجعلوا فيه فسحة للطوارىء غير المنتظرة ، وكذلك لأنّ أهل مكة والمدينة أنفسهم يضطرون إلى غوث هؤلاء الفقراء ، ولا يقدرون أن يشاهدوهم يتضوّرون جوعا (٣).
__________________
(١) [موازنته].
(٢) [انظر تعليق السيد محمد رشيد رضا على هذا الاقتراح ص (١٦) ، وتعقيب الأمير عليه ص (٢١ ـ ٢٢)].
(٣) حيا الله الأمير ، وجزاه خيرا بما انفرد به من بيان حال المطوفين ، وجليل خدمتهم للحاج ، وقلّة ما يأخذون من الأجرة على هذه الخدمة ، واستغرابه ذمّ بعض الناس لهم ، ونبزهم بالطمع ، ومن بيان حال أهل الحرمين عامة في معايشهم ، وقد ذكر الفقهاء أنّ من آداب الحاج وعلامة قبول حجته أن لا يعدّ ما ينفقه في الحجاز مغرما ، كما وصف الله المنافقين ، وأن لا يتبجّح به ؛ وألا يؤذي جيران الله ورسوله بقول ولا فعل ، ولا يشكو مما يقاسي في الحرمين من تعب ومشقة ، وليعتبر المنافقون الذين لا يكتفون ببسط ألسنتهم البذيئة بهذه الشكاوى والمذام ، بل ينشرونها في الجرائد ، فيكون لها أسوأ الأثر في تثبيط الناس عن أداء هذه الفريضة ، فياليتهم لم يحجوا. مصححه