والفليبيني ، فمكة أعظم معرض للأجناس واللغات.
ولو كان العرب على نمط الأوربيين في إتقان كلّ شيء ، والاستفادة من كلّ شيء ، والتفننّ في الاستثمار والاستغلال ، لوسّعوا دائرة تعلّم هذه اللغات على وجه الإتقان ، وزادوا بها تسهيلات فريضة الحج ، وكانت لهم من وراء ذلك أرباح مدهشة ، وكانت العربية أيضا تستفيد ، لأنّ القادمين إلى مكة من تلك الأمم ، إذا أطالوا بها المكث تعلّموا العربية واستعربوا ، ولكننا نحن معاشر العرب برغم ذكائنا الفطري ، الذي لا جدال فيه ، نحبّ البقاء على الفطرة ، ولا نرغب إلا فيما هو أقرب إلى الطبيعة ، وهذا جيد في الشعريات ، لا في الرياضيات ، ولا في الاقتصاديات.
وإذا مرض الحاجّ فالمطوف هو الذي يعلله ، ويأتي له بالطبيب وبالدواء ، ويسهر عليه ، وإذا مات فهو الذي يخبر بذلك الحكومة ، ويأتي بأناس من قبلها ، ويضبّ في حضورهم حوائجه ، ولو سمّي المطوف كافلا للحاج لما كان في هذه التسمية أدنى مبالغة ، ومع هذه الكفالة الشاملة الكاملة التي فيها من الركض ، والعناء ، وتعب الفكر ، والمسؤولية ما فيها ، يكون ـ آخر الأمر ـ جميع النحلان جنيها واحدا عن كل رقبة ، هذا هو النحلان المقرر ، فمن طابت نفسه بأن يزيد ، فذلك عائد إلى سماحة نفسه ، ولا شكّ في أنّ الحاج الذي يجشّم المطوّف جميع تكاليفه ، ويريد أن يتخذ منه دليلا ، وحارسا ، ومحاميا ، ومفتيا ، وطبيبا ، وصيدليا ، وممرضا ، ودلالا ، وغير ذلك ، في وقت واحد ، يكون ظالما إذا استكثر أن ينقد هذا المطوف في آخر السفرة جنيها واحدا.
ولا شبهة في أنّ من الحجاج من يؤدّي بدلا من الجنيه الواحد الجنيهات الكثيرة ، والمسلمون يغلب عليهم الخير ، وقد يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.