يستفيدون بهذه الأسفار الطويلة معرفة واطلاعا ، ويتعلمون اللغات الأجنبية.
ولو كانت أمورنا على النسق الأوروبي الذي قاعدته استغلال كلّ شيء ، لكنّا أسسنا مدرسة خاصّة بالمطوّفين والمزوّرين ، يتعلّمون فيها إتقان التطواف ، وكيفية ترفيه الحجّاج والمزدارة ، وتوفير أسباب راحتهم ، وتلقينهم الأدعية والأذكار المأثورة بأيسر الطرق ، وبثّ الدعاية اللازمة بالأوصاف والصور ، حتى يزداد عدد الحجاج القادمين كلّ سنة ، وهكذا تزداد مكة وطيبة عمرانا ، ويزداد أهلوهما يسارا.
والحقيقة أنّ الحجّ لا يزداد ، ولا تزداد أرزاقه وخيراته إلا بأمرين : أحدهما : أمان الطرق : والثاني : أسباب الراحة.
أما الأمان ، فقد توافر في أيام ابن سعود ، إلى حدّ لا يتطلّع فيه متطلّع إلى مزيد ، وإنما يرجو دوام هذه النعمة.
وأما أسباب الراحة ، فقد كانت تعدّ أسباب راحة بالنسبة إلى الماضي ، ولا تعدّ كذلك بالنسبة إلى الحاضر ، بعد أن انتشرت الأساليب العصرية في النزول والركوب والمبيت ، وتوسيع الشوارع ، وتنظيفها ، وترصيفها ، وإنارتها بالمصابيح الكهربائية ليلا ، ونسق الحدائق في أوساط المدائن وحواشيها ، وبناء المقاهي الرائعة المزخرفة ، وسائر ما يلذّ الأعين ، ويشرح الصدور ، ولا يقدر أن يعيش بدونه المترفون ، ولا يتهيّأ لهم سرور ، فالحجّاج في الغابر ، كانوا يأتون من بلدان لا تفوق مكة والمدينة في درجة الرفاهية والانتظام ، أو تتفوّق قليلا ، فكان الحاجّ لا يشعر بالفرق بين المكانين ، ولا تتغيّر عليه البيئة.
وأما اليوم ، فقد صار أكثر العالم الإسلامي تحت حكم الإفرنج ، فشاهد الحجاج مدنية الإنكليز في الهند وزنجبار ، ومدنية هولاندة في جاوة ، ومدنية فرنسة في شمالي أفريقية ، ومدنية الروس في موسكو