وبتروغراد (١) وهلم جرا ، فتعوّد المترفون منهم رفاهة ورفاغة لا يطمعون أن يحصلوا على مثلهما في الحجاز إلا في قضية الطعام ، فإنّ طهاة مكة والمدينة لا يفوقهم طهاة تلك البلدان ، وربما لا يساوونهم في تطييب الطعام وتأنيقه ، ولكن ليس المأكل هو كلّ شيء ، فلا بدّ للمسلم المترف من أهل تلك البلدان ـ حتى من أهل مصر والشام والعراق ـ أن يؤمّن جهة راحته بحذافيرها ، حتى يقوم بفريضة الحجّ.
ومن المعلوم أنّ حج مترف واحد يعود على الحجاز بفائدة مادية أكثر من حجّ خمسين شخصا من المساتير أو المتوسطين.
أما الفوائد الروحية فلسنا في هذه الجملة بصددها ، وقد نتكلّم عنها في موضع آخر ، ونشرح ما يكفل الحج من جلائلها ، ولكن مع الأسف قد غلبت النزعة المادية الأوروبية على الناس ، وصار البدن هو معبود الإنسان العصري ، فأصبحت لا تقدر أن تقتصر في الدعاية إلى الحج على ذكر ما فيه من اللذة الوجدانية ، والراحة الروحية ، وأنّى لعبدة الأبدان أن يشعروا بمواجيد النفوس ، ولذائذ نعيم العرفان!!
وكلّ المدنية العصرية مبنية على مدنية أوربة ، وكل مدنية أوربة تقريبا هي مستغرقة في خدمة الحواس ، ولسان حالها ينادي : المادة المادة!!
ولا ينكر أنّ السيارة الكهربائية والتليفون واللاسلكي قد كفلت في الحجاز في السنوات الأخيرة راحات واختصارات لم يكن يعرفها من قبل ، وأنّ مكانها من الأهمية لا يخفى ، ولكن على الدولة السعودية أن تطرد مشروعاتها العمرانية في الحرمين الشريفين ، وجدة ، وينبع ، والطائف ، الذي هو مصيف الحجاز ، حتى يعرف أغنياء العالم الإسلامي أنّهم إذا قصدوا الحجاز ، لا يرهقون عسرا ، ولا يصادفون في شيء من اللذات التي يبيحها الشرع حرمانا.
__________________
(١) [بطرسبورغ].