في هذا الأمر ، برغم ميل لجنة الانتدابات إلى إنصاف المسلمين فيه.
وإذا رجعنا إلى أصل البلية وجدناها من المسلمين أنفسهم ، لأنّ حكوماتهم لما كانت مستقلة ، ولأنّ حكوماتهم المستقلة الباقية إلى اليوم ـ تصرّفت بالأوقاف تصرفا سيئا مخالفا للشريعة ، منافيا للأمانة ، فمهّدت للدول المستعمرة العذر في طمسها لهذه الأوقاف أصلا ، وفي هبتها منها للرهبان ، وسيطرتها التامة على ما أرادت إبقاءه منها للإنفاق من ريعه على المساجد.
ولا يزال حتى اليوم في بلاد الإسلام أوقاف لا تحصى محبوسة على الحرمين الشريفين ، كان يجب على حكومات هذه البلدان من إسلامية أو أجنبية أن تحسن إدارتها ، ولا تحتجن شيئا من حاصلاتها لإنفاقها في حاجات أخر ، بل ترفعها كلها إلى الحرمين بحسب شروط الواقفين.
وإذا قدّرنا أنّها لا تثق بحكومة الحجاز أو بأعيان أهالي الحجاز في قضية توزيع هذه الصدقات ، أو إنفاق هذه الأموال في وجوه الخير ، فليس عليها أكثر من الإشراف أو الاشتراك مع حكومة الحجاز في التوزيع أو الإنفاق على المشروعات الخيرية التي بإحيائها يعمر الحجاز.
ولعمري إنّ الأولى بهذه الحاصلات الورادة من الآفاق إلى الحجاز إذا وردت أن ينفق جلّها ـ إن لم ينفق كلّها ـ على تأسيس ملاجىء للفقراء وللأيتام ، حتى لا يبقوا عالة على الناس ، ووقرا على الحكومة ، وفي بناء مستشفيات ومصاحّ للمرضى والضعفاء ، الذين يكثر عددهم في الحجاز بكثرة الغرباء ، ولو كان هواء الحجاز بحدّ ذاته نقيا ـ وكذلك في تشييد مدارس صناعية ، ومشاغل يحشد إليها العاطلون من العمل ، والعائشون من التسول ، وعلى مشروعات أخرى خيرية عامة ، لا ينحرف فيها البرّ عن أصله ، ولا يخرج الوقف عما ربط عليه ، مع التباعد فيه عما يغري الأهالي بالكسل ، ويعوّدهم البطالة ، ويوجد عندهم عقيدة