ثم يرتحلون ، فينزلون عدن من اليمن أيضا ، فيشترون منه اللطائم (١) وأنواع الطيب.
ثم يرتحلون ، فينزلون حضرموت من بلاد اليمن ، ومنهم من يجوزها ، فيرد صنعاء ، فتقوم أسواقهم بها ، ويجلبون منها الخرز ، والأدم والبرود ، وكانت تجلب إليها من معافر ، (مخلاف من مخاليف اليمن ، تنسب إليه الثياب المعافرية).
ثم يرتحلون إلى عكاظ في الأشهر الحرم ، فتقوم أسواقهم ، ويتناشدون الأشعار ، ويتحاجون ، ومن له أسير سعى في فدائه ، ومن له حكومة ارتفع إلى من له الحكومة ، وكان الذي يقوم بأمر الحكومة فيها من بني تميم ، وكان آخر من قام بها منهم الأقرع بن حابس التميمي ، ثم يقفون بعرفة ، ويقضون مناسك الحج. ا ه.
فيظهر للقارىء من هنا أنّ العرب كانوا يقصدون جعل نصيب من هذه الأسواق لكلّ الجزيرة العربية ، مما يدلّ على الوحدة والاتصال ، فإنهم بدأوا بالشمال ، وهو دومة ، ثم انثنوا نحو الشرق ، وهو البحرين وعمان ، ثم انعطفوا إلى الجنوب ، وهو اليمن ، ثم جاءوا إلى الغرب ، وهو الحجاز. والمساوف (٢) لم تكن تطول عليهم مهما تراخت وتناءت ، ولو لم تكن يومئذ سيارات كهربائية ، فإنّه لا يوجد في البشر أقدر على طي المراحل وإنضاء الرواحل من العربي ، وهو بطبيعته يحتقر طول المسافات ، ولا يراها بالنسبة إلى همته شيئا.
على أنّي أرى صاحب «صبح الأعشى» أهمل المربد من أسواق العرب ، وهو سوق عظيم في البصرة ـ أو عظيمة (لأنّ السوق تذكّر
__________________
(١) [جمع لطيمة : وعاء المسك].
(٢) [المسافات].