امتلأت ماء ، ولم تزل تصعد إلى أن تصير على فم القناة التي ينصبّ فيها الماء جاريا إلى البركة ، فأفرغت الظروف ماءها ، ورجعت الدابّة من آخر المنحدر صاعدة نحو البئر ، فنزلت بتلك الظروف ثانية إلى قعرها ، لتمتلىء ماء وهلم جرا.
وإلى اليوم لم يعتمد أهل الطائف والقرى التي حولها على الآلات البخارية الرافعة ، ولا يزالون على عاداتهم القديمة في رفع المياه ، وقد رغّبتهم كثيرا في استعمال المحركات البخارية ، لما فيها من التوفير ، ومن زيادة الريّ ، وذكرت لهم كيف أنّ أهل المدينة المنورة قد عوّلوا عليها في السنين الأخيرة ، فوجدوا فرقا عظيما في كمية الماء الذي يستفيضونه ، واستخلصوا دوابّهم التي كانت تهلك في هذا الصعود وهذا النزول ، فاعتذروا بأنّ مياه المدينة [المنورة] أغزر من مياه الطائف ، وأنّه مهما رفعت الآلات منها فلا تنزحها ، بخلاف مياه الطائف وجوارها ، فإنّ الآلة البخارية إذا اشتغلت بضع ساعات فوق فم قليب نزحت كلّ ما فيه ، واضطر صاحب البئر أن يعطل الآلة مدة ساعات أخرى ، حتى تجتمع فيها كمية من الماء.
والحقيقة أنّ البداية ـ كما يقال ـ صعبة في كل عمل ، وإلا فإن آبار الطائف وقراها ـ وقد تحصى بالألوف ـ ليست جميعها سواء في النزارة ، ومنها آبار فائضة ، لا تنزحها الدلاء ، ولو تحركت آلاتها الرافعة ليلا ونهارا.
وقد اقتنع بهذه الحقيقة في أثناء وجودي في الطائف صيف سنة (١٣٤٨) صاحب السموّ الأمير فيصل ، نجل ذي الجلالة الملك عبد العزيز بن سعود ـ ونائبه في الحجاز عندما يكون الملك في نجد ـ فأراد أن يشرع هو بالعمل ، ليقتدي به أصحاب السواني ، وبعث إلى جدة ، فاستحضر آلة تدار بزيت الكاز ، وأمر بتركيبها على إحدى آبار شبرا في أول الطائف ، وما أظنّ أصحاب البساتين إلا مقتدين بعمله ،