الذي يقال له ذوو زيد أشبه بالبوربون ملوك فرنسة ، يجمعهم وآل أورليان نسب آل كابيت ، إلا أنّ الملك منحصر في آل بوربون ، وبقى الأمر كذلك في فرنسة إلى أن سقط شارل العاشر سنة (١٨٣٠) فتولى الملك بعد لويس فيليب من آل أورليان.
وهكذا كانت إمارة الحجاز منحصرة في ذوي زيد ، إلى أن استولى الوهابيون على الحجاز ، وعجزت الدولة عن إخراجهم منه ، فرمتهم بمحمد علي والي مصر ، الذي جرّد عليهم الجيوش ، ولبث يقاتلهم نحو عشر سنوات ، إلى أن أخرجهم من الحجاز ، فكان اقتراحه على الدولة إخراج إمارة الحجاز من ذوي زيد ، وتولية أمير من غيرهم من الأشراف ، فتلكّأت الدولة بادىء ذي بدء عن إجابة طلبه ، إلا أنّه مازال يلحّ بذلك ويبرم إلى أن تمكّن من تولية الشريف محمد بن عون أميرا على مكة ، ومن ذلك الوقت صارت الإمارة مداولة بين الفرعين ذوي زيد وذوي عون ، بعد أن كانت منحصرة في الفرع الأول.
وقد كان يحدثني في الآستانة بهذه الأمور التاريخية الشريف عبد الإله باشا ، أخو الشريف عون الرفيق باشا ، الذي كان تولّى إمارة مكة أكثر من (٢٠) سنة في أيام السلطان عبد الحميد ، وهو عم الملك حسين ، وقد تولاها الشريف عبد الإله نفسه أيضا عند وفاة أخيه ، لكنّه توفي إلى رحمة ربه قبل أن يبرح الآستانة ، وكان الشريف عبد الإله رحمهالله ذا مقام سام في عاصمة آل عثمان ، وكان على خلق عظيم ، لا يعرفه أحد إلا بالغ في إجلاله ، وقد كنت كثيرا أسمر عنده ، وكان له إليّ ميل أكيد ، وبي ثقة شديدة ، فقلّما كان يسترسل في الكلام لسياسيّ في مجالسه إلا أمامي ، وكان يحدّثني إذا خلا المجلس بقصص كثيرة ، ومن جملتها هذه القصة ، وهو أنّ محمد علي باشا جدّ الأسرة المالكة بمصر هو الذي نصّب والده محمد بن عون أميرا على الحجاز ، وهو الذي وهبه الأراضي التي لهم في مصر ، وهو الذي أولاهم تلك النعم الجسام.